أزمة العقل العربى (2)
يقال في ثقافتنا: "علينا أن نعمل، ولكن ليس علينا إدراك النجاح"، وهو قول منطقى في ظاهره، حيث يدعو إلى الاهتمام بالعمل بغض النظر هل ترتب عليه نجاح أم لا؟ لكن الأولى والأفضل قبل البدء في أي عمل نقوم به أن نهيئ السبل المفضية إلى النجاح.. وإذا وجد الإنسان نفسه وهو في منتصف الطريق أنه لن يصل إلى النتيجة المرجوة، فعليه أن يراجع الأسباب التي أدت إلى ذلك، ويسعى إلى معالجتها.. وبالتالى إذا شعر أنه سوف يواجه كارثة، فعليه أن يعود عن الطريق الذي سار فيه وأن يستبدله بآخر، كما قال عمر بن الخطاب (رضى الله عنه): "نفر من قضاء الله وقدره إلى قضاء الله وقدره".. ولا يفهم من قول النبى (صلى الله عليه وسلم): "إذا أصابك شيء فقل قدر الله وما شاء فعل".. أنه دعوة إلى الاستسلام، لكنه دعوة للصبر والتحمل والتماسك وعدم الانهيار، حتى تستطيع أن تبدأ من جديد وأنت أكثر قوة وصلابة وعزما..
والمتأمل للقرآن العظيم يجد آيات كثيرة تؤكد الأخذ بالأسباب والتعاطي بإيجابية مع السنن للتوصل إلى النتائج المطلوبة، وإذا حدث أن فشلنا في مرة فعلينا أن نعاود الكرة مرة أخرى.. بل مطلوب منا أن نقوم بدراسة آثار وتاريخ الأمم السابقة، وكيف كانت نهايتهم، مثل قوله تعالى: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" (آل عمران: ١٣٧)، وقوله: "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها" (محمد: ١٠)، وهكذا.. كما أن عدم مناقشة الأخطاء التي وقعنا فيها أو وقع فيها غيرنا، والأسباب التي أدت إليها، وبالتالي عدم الاتعاظ أو الاعتبار بها، يقود حتما إلى الوقوع في أخطاء أخرى، ربما أشد وأنكى..
والدارس لتاريخ الإخوان على مدى عقود يجد عجبا.. فهم لا ينهضون من مأساة إلا ليقعوا في كارثة.. هم لا ينظرون إلى التاريخ، وأنه يجرى وفق سنن لا تتغير ولا تتبدل "سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا" (الأحزاب: ٦٢)، "فهل ينظرون إلا سنة الأولين، فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا" (فاطر: ٤٣).. لذا، هم لا يتعلمون.. وما لم يدركوا أن عليهم مراجعة أنفسهم، وتقويم تجاربهم، واعترافهم بأخطائهم، بل والقيام بتصويبها، فسوف يظلون هكذا إلى ما شاء الله.
إن القصور المعرفى الذي أصاب عقولنا لا يتفق مع ما نادي به الإسلام منذ اللحظة الأولى لنزول القرآن على النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) في قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق".. إلى آخر الآيات، أنه ليس عبثا أن تكون كلمة "اقرأ" هي الكلمة الأولى في التنزيل العزيز.. وليس عبثا أيضا أن تتكرر هذه الكلمة مرتين في ثلاث آيات، وليس عبثا كذلك أن تأتى كلمة "علم" ثلاث مرات، وأن يشار بالحرف إلى القلم الذي يمثل الأداة التي يتعلم بها الإنسان.. أعود فأقول، نحن لا نقرأ التاريخ، وزادنا من المعرفة قليل.. للأسف، نحن لا نتحرك إلا إذا حلت بنا كارثة أو وقعت لنا مصيبة لا قدر الله.. وحتى عندما نتحرك، لا نسير في الطريق الصحيح الذي يؤدى إلى نتائج مرضية؛ والقضية الفلسطينية أقرب مثال.