عرابي.. معركة صلاح عيسى الأخيرة!
"ما يقوله يوسف زيدان هزل -تهريج يعني بالمعنى المباشر- وينقله من مراجع قديمة لخصوم ثورة عرابي.. تم الرد عليها وتفنيدها.. ومنها ما هو منقول عن بعض من شاركوا في الثورة العرابية، بعد أن انقسموا واختلفوا ولكلامهم أسبابه و.. وأيضًا تم الرد عليها كلها وتم تفنيدها"!
هكذا كانت مقدمة الرد الذي قام به صلاح عيسى على الإهانات التي وجهها يوسف زيدان، الباحث في التراث للزعيم أحمد عرابي.. ليستكمل: "تم رد الاعتبار للثورة العرابية في بداية القرن وتم الرد على كل الاتهامات التي وجهت لها.. كما أن يوسف زيدان يستند إلى مراجع بريطانية غير موثوق بها.. خاصة أن واقعة مواجهة عرابي للخديوي توفيق ثابتة بشهادة الشهود وأولهم قناصل الدول الأجنبية، وكانوا حضورًا وشاهدوا الواقعة وكتبوا عنها في مذكراتهم بعد أن أبلغوا دولهم بها بمراسلات رسمية"!
صلاح عيسى لم يضرب ضربته القاضية السابقة فحسب وإنما يؤكد أن ما يقوله ليس اكتشافًا ولا سرًا وأن الوثائق الخاصة بالثورة العرابية -الوثائق خد بالك- متاحة منذ فترة ليست بالقصيرة وهو متاح للباحثين!! عيسى يذكر بعدها على الفور الكتاب الشهير للكاتب الإنجليزي السير ألفريد سكاون بلنت عن الثورة العرابية، والذي عرض أكبر كم ممكن من الوثائق التي توضح حقيقة الثورة العرابية!! لنكتشف أن السير ألفريد سكاون اهتم بتحري الدقة على الثورة التي كانت ضد بلاده وجمع لها وعنها الوثائق-الوثائق خد بالك- ولم يشتم أو يسب أو يسفه أو ينتقل بنظراته الخبيثة هنا وهناك كغيره!
لم يترك صلاح عيسى الأمر دون توجيه النصيحة لكل متعامل مع التاريخ وقراءته وتدوينه وهي "أن قراءة الماضي بعيون الحاضر يؤدي إلى نتائج خاطئة"!
لقد دافع الرجل عن تاريخ بلاده بالعلم وبالشرف ورد السهام الخبيثة عن أول مصري -مصري- في العصر الحديث يقود جيش مصر.. وبعد أن عبث في تاريخنا الأفاقون والنصابون والمزيفون والمدعون وعابرو السبيل!
عيسى.. الرجل العظيم الذي فقدناه أمس ويستحق مقالات عديدة عنه.. له مؤلف ضخم عن الثورة العرابية من 612 صفحة كاملة والوثائق فيه جزء أساسي منه ولم يعتمد على حواديت المصاطب ولا نكات البارات ولا تسريبات الأعداء ولا زلات الألسنة الطويلة..
وداعًا صلاح عيسى.. الكاتب الصحفي المحترم والمؤرخ المتميز والمناضل الشريف والسياسي الوطني.. الذي ناضل من أجل الوطن والناس وليس على حسابهم أو فوق جثثهم.. وهكذا ظل حتى اللحظات الأخيرة من حياته التي سطر فيها تاريخا مجيدًا بين الصحافة والسياسة!