رئيس التحرير
عصام كامل

قرار ترامب بشأن القدس يخيم على عيد الميلاد في بيت لحم

فيتو

مهد مولد المسيح يُعتبر بالنسبة إلى المسيحيين في العالم مكان حنين رومانسي، لكن حياة الناس في بيت لحم تبقى هذه الأيام بعيدة عن كل رومانسية، لاسيما بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، بيت لحم المكان الذي وُلد فيه، حسب التاريخ الانجيلي عيسى انطلقت منه قبل 2000 عام رسالة سلام لا تزال حسب المفهوم المسيحي قائمة، وكان المسيحيون يتمنون لو أحيوا هذه الأيام عيد الميلاد؛ لأن ذلك ليس سهلا.

فمنذ أن أعلن دونالد ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، بدأت بيت لحم التي تنتمي للضفة الغربية الفلسطينية يُنظر إليها من زاوية أخرى. بعض المشاهد تظهر شبابا فلسطينيين يحرقون صورا للرئيس الأمريكي، وفي شارع الخليل بالقرب من المدينة القديمة حدثت مواجهات بين فلسطينيين وجنود إسرائيليين، وألقى الفلسطينيون الحجارة وأشعلوا النار في عجلات سيارات، واستخدم الجنود الإسرائيليون الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.

وبالنسبة إلى القس نيكوديموس من الكنيسة الكاثوليكية في القدس يمثل ذلك "آلاما كبيرة"، هذا القس الذي يعيش منذ 15 عاما في الدير بالقدس عايش الكثير من الاضطرابات والحروب بين إسرائيليين وفلسطينيين، ويقول: "مكان السلام للبشر في هذه المدينة.. ليس هناك شيء غريب مثل عدم السلام".

الجدار يفصل بيت لحم عن القدس
وأن تحدث اضطرابات بعد إعلان ترامب حول القدس لا يفاجئ القس، "أعتبر بيت لحم والقدس مدينتين توءمتين"، القدس الكبيرة وبيت لحم المدينة الصغيرة، هكذا يشهد على ذلك الإنجيل، بيت لحم مدينة مولد الملك داوود وبنحو 1000 سنة بعدها مولد عيسى. وفي مخطط تقسيم الأمم المتحدة لعام 1947 ليس القدس وحدها من تخضع لوضع دولي، بل حتى بيت لحم، "هذه الأماكن كبيرة وعالمية. ولا يمكن تحجيمها وطنيا" ويقول نيكوديموس اليوم بأننا بعيدون عن هذا الوضع، ولا تفصل القدس إلا كيلومترات قليلة عن بيت لحم، لكن المدينتين منفصلتين بجدار أسمنتي يعلو عشرة أمتار شيدته وتراقبه إسرائيل. ولا يتعدى نقطة التفتيش إلا من يملك ترخيصا.

والفلسطيني كمال مقرقر حصل فقط قبل أسابيع على رخصة مرور، وكان دليل السياح يرافق قبلها الزوار إلى مغارة المولد في بيت لحم، لكنه لم يكن بوسعه الذهاب إلى كنيسة القيامة في القدس، والسياح بإمكانهم بسهولة تخطي نقطة التفتيش، والكثيرون يأتون لساعتين من الوقت من القدس إلى بيت لحم بهدف زيارة كنيسة المهد.

ويقول مقرقر المسيحي الذي درس بألمانيا: "أسأل بعدها: ألا تريدون مشاهدة بعض الجوانب الأخرى من بيت لحم؟"، وفي الغالب يريدون ذلك، ويكونون معجبين بالمدينة القديمة والسوق والناس. "لم يقل لهم أحد قبلها بأن بيت لحم ليست فقط كنيسة المهد".

ذكرى 2002: كنيسة المهد تحت النيران
وعقب إعلان ترامب حول القدس تخلف للوهلة الأولى السياح عن القدوم، وحتى أحد أكبر الفنادق في المدينة، قصر ياسر أجبر على الإغلاق لبضعة أيام، ومن بين 250 غرفة لم تكن سوى 11 محجوزة. وأصدرت عدة بلدان تحذيرات سفر بالنسبة إلى الضفة الغربية، وست مجموعات سياح ألغت جولاتها لدى مقرقر الذي يقول بالرغم من ذلك:" إذا لم يخرج الفلسطينيون إلى الشوارع للتظاهر ضد ما قاله ترامب، فإن العالم سيظن أنهم لا يعيرون اهتماما بأن تصبح القدس عاصمة لإسرائيل"، واعتبر أن الاحتجاجات مهمة حتى ولو أنها جلبت خسائر أكثر من المنفعة.

ولم يسبق أن تأثر أحد السياح بالمظاهرات، حتى في أوقات الحرب. وحتى في عام 2002 في أوج الانتفاضة الثانية حيث لجأ مقاتلون فلسطينيون للاختباء في كنيسة المهد التي حاصرتها القوات الإسرائيلية طوال ثمانية أيام، ومقرقر ما يزال يتذكر ذلك جيدا، "في تلك اللحظات شعرنا وكأن الجميع تخلى عنا، حتى المسيحيون في العالم". وتوفي ثمانية أشخاص إلى أن تم التوصل إلى حل بين الإسرائيليين والفلسطينيين بوساطة الفاتيكان.

الخوف من انتفاضة ثالثة
"أعتقد نحن الفلسطينيين أننا تعلمنا أنه بالانتفاضة تحصل خسارات أكثر من فوائد، نحن اخترنا طريقا صعبا، والآن نريد من خلال عمليات سلمية ومن خلال قرارات الأمم المتحدة مثلا ممارسة الضغط على إسرائيل، أعتقد أن الفلسطينيين يفهمون أنه يجب علينا الحفاظ على السلم قدر الإمكان لكي يأتي أكبر عدد من الناس إلى هنا ويشاهدون الوضع السياسي بأعينهم".

والوضع حاليا بعيد عن انتفاضة ثالثة، كما يتفق حول ذلك الفلسطيني مقرقر والقس الألماني نيكوديموس. ودعا زعيم حركة حماس إسماعيل هنية من قطاع غزة، إلى انتفاضة ثالثة. وكلمة الانتفاضة توحي للإسرائيليين والفلسطينيين وكذلك على مستوى العالم بالخوف، وزار القس نيكوديموس قبل فترة قصيرة قطاع غزة حيث لم يعش قبلها هذا الكم من الانتقاد لحماس، "أعتقد أن الفلسطينيين لا يرغبون في أن يكونوا الذراع الممتدة لحماس"، وأوضح أن الأخيرة فشلت اقتصاديا، وهي تدعو الآن إلى انتفاضة ثالثة. وما يقلق القس كثيرا هو خيبة أمل الكثير من الفلسطينيين الذين قابلهم في غزة وفي الضفة الغربية.

هل تحدثت الملائكة لغة البشر؟
وحتى مقرقر يشعر بتلك اللحظات التي يضيع فيها الأمل، ويقول: "أحيانا أفكر بأن الناس يعودون دوما للحرب وللاضطرابات، ورسالة قصة عيد الميلاد لم تصل بالتحديد إلى هذا البلد"، ويحاول التعبير عن ذلك بنوع من الفكاهة عندما يقول: "ربما لم تتحدث الملائكة العبرية ولا العربية؟" ثم ينظر إلى كنيسة المهد ويقول: "كم من القرون وهب هذا المكان الأمل للناس".

وفي كل عام من الـ24 إلى الـ25 من ديسمبر ينتقل القس نيكوديموس من القدس إلى بيت لحم ويحمل معه قائمة أسماء آلاف الناس الذين يودون حضور عيد الميلاد في بيت لحم، وحتى في عيد الميلاد هذا سيقوم بتكريم تلك اللائحة ونقلها إلى كنيسة المهد. والاضطرابات السياسية لا تخيفه هو وأتباعه، "لا تخافوا"، كما يرد في الإنجيل، ويريد نيكوديموس أن يقول لأقلية المسيحيين في المنطقة:" كونوا شجعان، لا تخافوا، وانظروا بتفاؤل إلى المستقبل"، وأمام كنيسة المهد نُصبت شجرة عيد الميلاد كبيرة، وكانت بلدية بيت لحم بعد خطاب دونالد ترامب أطفأت أضواء الشجرة بدافع الاحتجاج. وفي الأثناء عادت أضواء الشجرة تلمع مجددا، ربما كإشارة أمل صغيرة.

سارة هوفمان/ م.أ.م

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية