رئيس التحرير
عصام كامل

صلاح عيسى.. حكاية من دفتر الوطن (بروفايل)

صلاح عيسى
صلاح عيسى

رحل في هدوء كعادته، بعد أن قاوم المرض بكل ما أوتي من إرادة، فهو الثائر اليقظ، والمفكر المقرب، والمدافع عن حقوق الصحافة وحريتها أينما وطأت قدماه، فكيف له أن يخضع لعلته بسهولة؟!


«أين اختفت قوانين حرية الصحافة والإعلام؟!» عنوان آخر مقال للكاتب الصحفي الكبير صلاح عيسى، الذي غادر دنيانا منذ قليل، نشر في جريدة المصري اليوم، بتاريخ ١٥ ديسمبر ٢٠١٧، أي قبل عشر أيام من وفاته، أيمانًا منه أن رسالته يجب أن تؤدى إلى آخر رمق.

صلاح عيسى، ابن القرية الذي جمع بين أصالة الريف وتحضر ورقي المدن، قضى ما يقرب من ٦٥ عامًا بين صفحات الجرائد والكتب، لم تجد معركة تتعلق بحرية الرأي والتعبير إلا وكان أحد رموزها البارزين.

يصنفه البعض، واحدًا من مؤرخي هذا العصر، ولاسيما أن مؤلفاته أرخت لحقب زمنية حديثة، حملت طابعًا سياسيًا اجتماعيا، على رأسها «الثورة العرابية، حكايات من دفتر الوطن، ومثقفون وعسكر، ودستور في صندوق القمامة».

اعتنق «عيسى» فكرا يساريًا، فكان واحدًا ممن ذاقوا وحشة سجون عبد الناصر أكثر من مرة، في ١٩٦٦ و١٩٦٨، إلا أنه خرج ليثمن نجاح التجربة الناصرية ولاسيما الاتجاه نحو تحقيق العدالة والتكافل الاجتماعي، وتعزيز الاستقلال الوطني مهما كانت تبعاته.

١٩٧٢ كانت البداية مع الصحافة، وانضم إلى كتيبة الصحفيين اليساريين بجريدة الجمهورية، بل شارك في تأسيس إدارة تحرير عدد من الصحف والمجلات، منها الكتاب والثقافة الوطنية والأهالي واليسار والصحفيون، وأخيرًا جريدة القاهرة، وذلك بعد اعتقاله على خلفية أحداث سبتمبر «اعتقالات سبتمبر» والتي شملت أكثر من ألف صحفي ومثقف وفقًا لروايات المعتقلين، وعلى أثر ذلك تم فصله من عمله الصحفي في الجرائد المصرية والعربية.

على مدى سنوات عديدة وهو ينتهج فكرًا معارضا واعيا، خلال هذه الأعوام عينه لم تغفل لحظة عن الصحافة وحالها، فعين أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للصحافة، وكان آخر هؤلاء الأمناء قبل أن يلغى وتحل محله الهيئة الوطنية للصحافة.

كان أحد أعضاء اللجنة التشريعات الوطنية التي وضعت قانون الصحافة الموحد، الذي توافقت عليه الحكومة والجماعة الصحفية بعد معركة استمرت على مدى عامين، رفض قرار تقسيم القانون من قبل البرلمان وبشدة، وظل يحارب عن اقتناص ما يمكن أن يحصل عليه الصحفيون من حق، حتى الأنفاس الأخيرة «أين اختفت قوانين حرية الصحافة والإعلام؟!»

المتابع لحياة «عيسى»، يسهل عليه معرفة التجربة المهنية والمعرفية الكبيرة التي امتلكها بعقلية المفكر وحافظ عليها بأمانة المؤرخ ورؤية الباحث، عزز ذلك تردده على دور الكتب ومراكز الأبحاث بحثا عن الحقيقة وأملا في تقديم كل ما هو جديد للقارئ.

يرى «عيسى» أن التاريخ يكتبه بشر لديهم أهواء وانحيازات مسبقة تدفعهم أحيانا إلى تحريف الحقائق أو انتزاعها من سياقها لخدمة أنظمة أو جماعات.

أخيرا.. توقف «عيسى» عن البحث في التاريخ، استراح من عناء السفر بين حكايات الثورات خاصة العربية منها.. استأذن في الرحيل..«مات صلاح أفندي».
الجريدة الرسمية