رئيس التحرير
عصام كامل

محمد فودة يكتب.. الـزنـزانـة 54 في حياة السادات

محمد فودة
محمد فودة

هنا عانى الرئيس الراحل محمد أنور السادات، في سجن مصر العمومي- قرة ميدان- وقضى سنوات مريرة داخل الزنزانة "54" في حادث اغتيال أمين عثمان، في عام 1946 والذي كان يتولى وزارة المالية في فترة حكم القطب الوفدي، مصطفى النحاس باشا بعد أن فرضه الإنجليز على الملك فاروق.


من داخل تلك الزنزانة أعلن السادات "دستور حياته الخاص" في وثائق كتبها بخط يده في "النوتة الكموني" و"النوتة الخضراء" وحافظة حرف L.. حيث إنه يقول فيها: «هذا إعلان استقلالي ودستور حياتي الذي أسير عليه محتفظا بكرامتي؛ أعلن استقلالي من الجمهور.. وشهواتي.. والخرافات ولن أؤمن بأن الفرصة تأتي مرة واحدة، سأجعل عقلي حرا طليقا ولن أدخل في صفقة حتى أضمن أن يربح الطرف الآخر».

وكان مما دفع الزعيم الراحل على كتابة دستوره الخاص، كما أشار في كتابه "البحث عن الذات" في فصل "نحو تحرير الذات" أنه كان يعاني من أزمة عصبية بسبب القبض عليه في الساعة الثانية صباحا، في برد الشتاء القارس، وما ساعده على التخلص من تلك العقدة ومنحه استقلالا ذاتيا هو مقال للكاتب والطبيب الأمريكي "فرانك فرانكلين".

وكتب السادات بخط يده دستور حياته الخاص به في صباح يوم السبت، الموافق 17 يناير من عام 1947، من داخل الزنزانة 54 في سجن مصر العمومي قائلا فيها.. "تبتدئ حياة الأمم العظيمة من بدء إعلان استقلالها وكذلك يبدأ الفرد حياته من يوم أن يعلن استقلال نفسه أعلن استقلالي من الجمهور فلن أتبع عادة يمارسها مالم أثق بفائدتها لي".

ـ أعلن استقلالي من شهواتي فلن أسمح لها بأن تتحكم في، ولست أجهل أن رغباتي وشهواتي هي منبع قوتي، ولكني إذا خليتها علي أتلفتني، فإذا أنا سيطرت عليها انتفعت بها.

ـ سأنفي عن نفسي خواطر الخوف ولن أذكر الله إلا باعتباره صديقا لي أحبه ولا أخشاه، يسعفني ويخلصني من الورطة ولن أعقد النية على أنه عدو جبار منتقم.

ـ سأعتمد على نفسي دون الاعتماد على الظروف لكي أنجح، فلن أعلل فشلي بالظروف السيئة لأن الظروف كالوراثة يجب أن أستعملها واستخدمها لمصلحتي؛ فأنا أعرف أن العامل الذي ينسب خيبته إلى سوء الآلة، ويلقي اللوم عليها وحدها هو عامل عاجز، وكذلك أنا لن أعتمد على ظروفي وأنسب إليها ما أصابني من خيبة أو توفيق إنما سأدخل ميدان الحياة، وأعمل معتمدا على نفسي، فإن تفوقت فذاك، وإن أخفقت سأعاود الجهد وأنتفع بإخفاقي السابق.

ــ في العالم ضربان من النجاح، أحدهما- وهو الأهم- النجاح الداخلي الذي يقود ضميري، والآخر؛ هو النجاح الخارجي الذي يراه الناس في؛ وأولهما هو الأهم بالتحقيق، فإذا جاء الثاني عرضا، فذاك، وإلا فأنا مقتنع قانع بالأول.

ـ سأروض جسمي رياضة موافقة حتى يكون الدعامة الثانية لخدمة عقلي وروحي ولن أحتقر جسمي أو أنغمس في الشهوات بل أبقيه مع الدوام في عافية وصحة.

ـ سأغرس في نفسي الإيمان النافع فأؤمن بإله يريد الخير للعالم وأؤمن بالحب والشرف والوفاء في كل ما يجعل الحياة قوية وسليمة.

"هذا هو إعلان استقلالي ودستور حياتي الذي سأجتهد في أن أسير عليه حتى أعيش عيشة نافعة لنفسي ولغيري".

هنا في الزنزانة الـ54 سطر السادات دستور حياته، وكانت بادرة أمل لمواقفه السياسية وإعادة الذات الخاصة بحياته المسطرة بإنجازاته.
الجريدة الرسمية