رئيس التحرير
عصام كامل

حسين بيكار يكتب: الفنان الصغير

فيتو

في جريدة الأخبار عام 1986 كتب الفنان حسين بيكار مقالا عن صديقه الشاعر الفنان صلاح جاهين (ولد في 25 ديسمبر 1930 ورحل في 21 أبريل عام 1986 ) قال فيه:


جلست إلى مكتبى أستمع من بعيد إلى أصداء الصوت المنبعث من مرسم قسم التصوير الذي كنت أرأسه، وقد اختلطت أصوات الطلبة والطالبات محدثة خليطا من الضجيج يتنافى مع جلال المكان الذي ينبغى أن يحاط بغلالة من الصمت الوقور الشبيه بمحاريب العبادة والصلاة.

وفجأة وأنا أبعد هذا الضجيج إذا بطالب قصير القامة يقترب منى بحذر شديد ويقول: اسمى صلاح جاهين سنة أولى تصوير، قال جئت أستشيرك في مشكلة تقلقنى لدرجة أفقدتنى توازنى، فأنا أحب والدى لدرجة التقديس وكانت أمنيته أن أسلك الطريق نفسه الذي سلكه فألحقنى بكلية الحقوق التي قضيت فيها عامين مرغما لأن اهتمامى كله كان منصبا إلى الفن، وقررت أن أنسلخ من كلية الحقوق وألتحق بكلية الفنون الجميلة.. ولذلك ترانى في غاية الحرج فلا أنا أريد أن أحبط والدى لأنى أحبه، ولا أريد أن أكبت مشاعرى الصادقة التي تنمو لدرجة الهوس.

يقول بيكار: بهرتنى شجاعة هذا الطالب وتشبثه بصدقه النبيل، فقلت له هل في إمكانك أن تحدد لى موعدا ألتقى فيه مع والدك.
وفى اليوم التالى جاء صلاح بصحبة والده، الذي جلس فوق مقعده كأنه أحد تماثيل كهنة آمون، بادرته قائلا: الفن يا سيدي المستشار ليس مهنة يتبرأ منها الإنسان، فهناك من عمالقة التاريخ من يتربعون فوق قمة المجد والشهرة أمثال مايكل أنجلو ورمبرانت في الخارج، وأمثال محمود مختار ومحمود سعيد في الداخل، بينما لا نرى في المهن الأخرى مهما تعاظمت من يحتل هذه المكانة في قلب ووجدان الجماهير، وإن مكان صلاح جاهين في الفن ولا شيء غير الفن.

ارتسمت سمات الامتعاض على ملامح الوجه المتجهم ورحل الرجل دون أن يطلعني على قراره، وفى اليوم التالى توجهت كعادتى إلى المرسم، بحثت عن صلاح بين زملائه فلم أجده وفى اليوم اللاحق أيضا وتوالت الأيام دون أن أرى صلاح منهمكا في رسم النماذج التي كان يقبل عليها بنهم شديد.

علمت من زملائه أنه عاد إلى كلية الحقوق إرضاء لوالده، وما هى إلا فترة حتى عاد إلى قدره الذي حدده له التاريخ.
الجريدة الرسمية