«مستر نعم» يفوز بثقة السادات ويعينه نائبا له
«يجلس في هدوء وصمت، يستمع لما يقوله الرئيس بعناية دون تعقيب..فهو يعلم جيدًا مصير من قالوا لا».. هكذا كان «مستر نعم» أو كما يطلقون على محمد حسني مبارك، عند توليه منصب نائب لرئيس الجمهورية في عهد محمد أنور السادات، ذلك الاختيار الذي أفصح عن أسبابه «السادات» في إجابته على استفسارات المقربين: «لأنه عسكري منضبط، ومنوفي وبيسمع الكلام».
تردد المذياع يشير إلى صوت القاهرة، دقائق قليلة وتوحدت المحطات الإذاعية لسان حالهم «خبر هام بعد قليل»، ترقب وقلق شعبي وسياسي من خبرٍ مجهول يُعلن بعد دقائق، ليأتي على هذا النحو «أعلن رئيس محمد أنور السادات، تعيين فريق طيار محمد حسني مبارك، نائبًا له».
تغييرات جديدة
في ربيع ١٩٧٥ وتحديدًا في ١٥ أبريل، أعلن «السادات» رسميًا عن تغييرات وزارية جديدة كانت المفاجأة اسم «مبارك» ضمن هؤلاء، وتحديدًا لمنصب نائب الرئيس ولاسيما أن كل المؤشرات كانت تتجه نحو أسماء بعينها دون «مبارك»، للاختيار كواليس سردها «مبارك» نفسه في أحد لقاءاته التليفزيونية، التي أجراها معه الإعلامي عماد الدين أديب، وكذلك وثقها الدكتور محمود الجامع، أحد المقربين من الرئيس الراحل في كتابه «عرفت السادات».
يقول مبارك: «الرئيس السادات أرسل مع الجمسي وطلبني أن أكون عنده في الساعة السادسة في القناطر، وكان يوم خميس، وكنت معزوما في الخارج، وأخبرت زوجتي أنه سيسألني عن القوات الجوية والأحوال، وقلت لها ساعة أو إثنين على الأكثر وسأعود.
في « بلكونة» بالدور العلوي لمنزل «السادات» بالقناطر الخيرية التقي مبارك وأخذ يحكي له تاريخة السياسي والعسكري « ذهبت الساعة السادسة مساء، وجلس الرئيس يحكي عن تاريخه وعن الفراغ السياسي ما تعرض السادات للاغتيال، الساعة 8.30 جاء العشاء وكانت المقدمات عن الثورة وأيام عبدالناصر، وكيف كانت تسير الأمور وقصص طويلة، ولم يكن هناك غيري، وبعد العشاء أخبرني وقال لي: اغتيال صديقي الملك فيصل خلاني أفكر أختار نائب لرئيس الجمهورية».
قال السادات: «كنت بافكر في أحمد إسماعيل ولكنه كان مريضًا، ورجعت أقول إن الجمسي ينفع وزير دفاع، ومحمد على فهمي، خبير صواريخ وطلع لكل واحد صفة، وفاضل أمامى أنت، فأنا اخترتك لمنصب نائب الرئيس»، قرار جاء بعدما تشاور السادات مع قادة الجيش، للاستغناء عن المستشارين السوفيت، اعترض أحد القادة وكانت النتيجة أن أطاح به وعين مبارك بدلا منه لأنه «مطيع»، عينه نائبًا الحربية، وقائدا لأركان حرب القوات الجوية، واصطحبه معه في زيارة للاتحاد السوفيتى.
الصاعقة
جاء قرار السادات كالصاعقة التي وقعت على رأس محمد حسني مبارك، فلم يخطر بباله يومًا أنه سيحتل منصبًا سياسيا، ولاسيما أن السادات عندما استدعاه سأله: «عاوز تبقى إيه قال: أبقى رئيس شركة مصر للطيران، وهذا ما ذكره مبارك نفسه لعماد أديب في حديثه الطويل بمناسبة ترشيحه لفترة سادسة، أنه كان يحلم بأن يكون أيضًا سفيرا لمصر في لندن.. «علشان بلد إكسلانسات».
وأضاف مبارك: لم يكن لي طموح سياسي، كنت أقول إن حياتي كلها حروب، قلما أذهب للبيت، وأغلب سنوات عمري قضيتها في الوحدات، وبعد سنة ممكن أكون سفيرا في بلد مريح وأعيش شوية قبل أن أصل إلى سن المعاش، وأقصى شيء كنت بأفكر فيه أني أستريح، فطوال الوقت مجهود ضخم، وثكنات عسكرية، ورمال، وأريد أن أجلس مع العائلة».
نائب السادات، وفقًا لرسالة إسماعيل فهمي، وزير الخارجية المصري آنذاك، التي كشفت عنها الوثائق التي عرفت بمراسلات «هنري كيسنجر» نسبة لوزير خارجية الولايات المتحدة وقتئذ، أنه تم اختياره لدعم الروح الشابة ولترضية القوات المسلحة فهو يحظى بشعبية داخلها وخارجها، ولكن سياسيًا فمبارك لا «يفقه» شيء، مشيرًا أن السادات حرص على حضوره كل الاجتماعات مع الوزراء، الوثيقة أضافت أيضا أنه لا توجد مهام محددة تم إسنادها للنائب الجديد، ولكن في ذات الوقت ينبغي ألا تفهم إساءة اختيار مبارك لهذا المنصب بأنه اختيار السادات لخليفته المنتظر.
وثائق كيسنجر
كشفت إحدى وثائق « كيسنجر» السرية التي نشرها موقع «ويكيليس» عقب ثورة يناير عن التساؤلات التي أثيرت عن اختيار أنور السادات الفريق طيار محمد حسني مبارك، قائد القوات الجوية آنذاك، كنائب له عام 1975. تعيين مبارك، كما تذكر الوثيقة، كان مفاجأة غير متوقعة للجميع وليس فقط لمبارك نفسه ولا تزال تحمل قدرًا من الغموض إلا أن في أحد وثائقها قالت:« إن الجيش غير راضٍ عن سياسات السادات، وأنه طلب ترقية مبارك ليجعل أحد رجاله كمراقب في موقع مقرب من الرئيس، ولكن السفير الأمريكي وقتها رجح أن تكون ليبيا هي من تروج لتلك التفسيرات المتعلقة بوجود احتقان بين الجيش والسادات».
الدكتور محمود جامع مؤلف كتاب "عرفت السادات" كشف هو أيضًا عن أسرار كواليس اختيار «مبارك» نائب للرئيس، يذكر الكاتب، أن السادات أخبره قبل اختيار مبارك أنه سيعين نائبا مدنيًّا لرئيس الجمهورية، مما جعله يقبل رأسه، ولكن عندما عين حسني مبارك، رد عليه "يا نهار أسود"، وذكّره بنيته بتعيين نائب مدني، لكن السادات أثنى على مبارك، ولاسيما أن الرئيس كان يريد شخصا يستطيع التحكم فيه،قائلا له:« يا جامع أدركت إننى لابد أن أعين نائبا لى في حالة ما إذا قرر القدر أن يختار لي نفس مصير الملك فيصل، ولم أجد أفضل من حسنى مبارك الذي عرفته كعسكري مطيع، علاوة على أنه كان معروفا للأمريكان وللبلاد العربية»
زواج محمد حسني مبارك، من امرأة مصرية إنجليزية ميولها غربية مثل زوجة الرئيس السادات، لعب دورًا كبيرًا في اختياره لهذا المنصب وهذا ما يفسره كتاب «عرفت السادات» وكذلك الدور الذي لعبته أمريكا لتصعيد فريق طيار لهذا المنصب.
صراع شديد
وفي مشهد أكثر تعقيدًا يقول «الجامع» إن رئاسة الجمهورية كانت تعاني صراعًا شديًدا في نهاية عصر السادات، بعد تولي منصور حسن، وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية، وتم تسريب تقرير إلى المخابرات الإيطالية بإيعاز من إبراهيم أدهم، مدير المخابرات السعودي يفيد بأنه إذا تم إزاحة السادات وتولي مبارك الرئاسة فسيكون التعاون الاقتصادي مع المملكة العربية السعودية أكثر، وستشهد العلاقات تحسنا ملموسا، وهنا أحس السادات بالخطر، وقال: "فيه لعب".
ويستطرد الكاتب خلال مألفه: «أصبح منصور حسن، وزير الإعلام أيضًا، متواجدًا في بيت السادات، يحضر مع السادات جميع مقابلاته مع الوفود الأجنبية، وهذا ما أزعج مبارك، ودخله الشك خوفًا على منصبه، ولاسيما أن «منصور» في هذه الأثناء قرر عمل تنظيم شبه سري بالحزب الوطني من أجل صنع كوادر حزبية تقوي جبهة السادات، إلا أن السادات رفض الفكرة بايعاز من «مبارك» الذي صور له أن هذا التنظيم إذا دشن سيشبه التنظيم الطليعي.
تخوفات «مبارك» من منصور حسن، وصلت للذروة، عقب قرار 119 الذي أصدره السادات، والذي يقضي بعرض جميع "البوسطة" الخاصة برئاسة الجمهورية على منصور حسن، وهنا بدأت الاحتكاكات، وأحس مبارك باللعبة فأقام في بيته وقدم استقالته.
وفي هذه الأجواء الملبده، نصح الفريق محمد سعيد الماحي، رئيس المخابرات العامة آنذاك، الرئيس السادات للنزول إلى القوات المسلحة، وبالفعل أخذ بالنصيحة، ولما حضر إلى المنطقة الشمالية العسكرية، سأله الضباط عن النائب، هنا أحس السادات بالخوف، وذهب إلى مبارك في بيته وطلب منه الرجوع، وكان شروط الأخير طلب إلغاء القرار 119 بأثر رجعي، وقال مبارك أثناء خروجه لمنصور: "ما تبقاش تلعب معايا تاني". وفقًا لما ذكره الدكتور محمود الجامع.
قبل أحداث سبتمبر بأيام قليلة، أصدر السادات قرارا بتغيير وزاري يتم بمقتضاه إلغاء منصب وزير الدولة لشئون الرئاسة، ووعد منصور بمنصب نائب رئيس مجلس الأمة، لكنه رفض وسافر إلى لندن، في هذا الشأن قال منصور حسن نفسه:« عرفت أن السادات يستعد لإصدار قرار اختياري، نائبًا له، بدلًا من مبارك، الذي اعتكف في منزله احتجاجًا عندما علم هذا الاختيار، لكن السادات استشهد عقب احتفالات أكتوبر ١٩٨١»، وربما هو ما يتخذه بعض الساسة ذريعة في الإشارة بأصبع الاتهام إلى مبارك في حادث اغتيال «السادات».