رئيس التحرير
عصام كامل

كواليس لقاءات السادات وكارتر وبيجن: أسرار 13 يوما في «كامب ديفيد»

لقاءات السادات وكارتر
لقاءات السادات وكارتر وبيجن

خلال أيام الخريف المصيرية في عام 1978، شاهد العالم ثلاثة من الزعماء الكبار يتصافحون في البيت الأبيض بعد التوصل إلى اتفاق لإنهاء ثلاثة عقود من الحرب، لكن كل من قرأ كتاب لورانس رايت حول مفاوضات السلام "13 يوما في سبتمبر" سيدرك في نهايته أن إعطاء وعود بالسلام في الشرق الأوسط كان سريع الزوال، واتضح أنه في نهاية المطاف مجرد كذبة.


رايت، الحاصل على جائزة بوليتزر عن العديد من الكتب، عبر عن رؤيته المتوازنة لمحادثات السلام في كتابه الشهير " 13 يوما في سبتمبر: كارتر، بيجين، والسادات في كامب ديفيد"، وقدم عملا فنيا رائعا رسم فيه لوحات نفسية لثلاثة زعماء كان لديهم القليل من القواسم المشتركة، وأراد بيجين الحفاظ على أرض الميعاد التي تركها الله لليهود، فيما رأى السادات نفسه كمنقذ عينه الله لنصرة شعب مظلوم، واعتقد كارتر أنه تم تعيينه من السماء لإحلال السلام في الأراضى المقدسة".

ورغم أن السادات وبيجن حصلا لاحقا على جائزة نوبل للسلام، لكن كتاب رايت كان بعيد عن المديح والثناء على كل هذه الجهود، واحتوى على كواليس لقاء كارتر وبيجن والسادات.

القواسم المشتركة
بيجن والسادات كان لديهما القليل من القواسم المشتركة، ففي بداية حياتهما السياسية كانا سجناء للسلطات الاستعمارية البريطانية، وقاتلا من أجل استقلال بلادهما، وخلال الحرب العالمية الثانية، شارك السادات في اغتيال الجنود البريطانيين، واستهدف القادة المصريين الذين تعاونوا مع السلطات الاستعمارية البريطانية.

أما بيجن، فانضم إلى مجموعة شبابية شبه عسكرية في بولندا، وفقد معظم عائلته في المحرقة، وفي فلسطين، أصبح من أشد المتمردين الذين يقاتلون البريطانيين من أجل إنشاء دولة يهودية، واستخدم تكتيكات وصفت لاحقا بالإرهابية، ويقول رايت عن بيجن إن تحول الإرهاب من ظاهرة محلية في المقام الأول إلى ظاهرة عالمية يرجع إلى نجاح تكتيكاته إلى حد كبير.

إلى جانب بيجين والسادات، كانت حياة كارتر السياسية هادئة ولم تخرج للنطاق العالمي، حيث راهن مستقبله السياسي على القمة، وهوسه بإحلال السلام في منطقة تعاني من الحروب على مر العصور هو أحد الأسباب التي جعلت الكتاب مثيرا للاهتمام، فكارتر لم يلتق قط بعربي حتى جلس بجانب شخص في سباق للسيارات في دايتونا، واليهودي الوحيد الذي يعرفه هو عمه شاتانوجا الذي تزوج إحدى أقاربه.

ويرى رايت أن زيارة السادات المفاجئة للقدس في عام 1977 ساعدت في بدء عملية السلام رغم أن بيجن كان مقتنعا في البداية بفشل المحادثات، وهو الوحيد بين القادة الثلاثة الذي وصل إلى القمة دون أي مقترحات.

ورغم ذلك،اعتقد الرئيس الأمريكي كارتر أنه يمكن تغيير مسار التاريخ والتوصل إلى اتفاق خلال 3 أيام، متناسيا التاريخ الطويل بينهما، لكنه استغرق 13 يوما.

خلال المحادثات بين الرؤساء الثلاثة، ظل المصريون والاسرائيليون بدون سماع أغاني أو الأفلام.

أما المشهد في منتجع كامب ديفيد كان فوضويا، وكان الطرفان المصري والإسرائيلي يهددان بوقف المحادثات يوميا تقريبا، إذ قدم الرئيس السادات مسودة العرض المصري للتوصل لاتفاق سلام، وأكد أن الأراضي لن يتم المساومة عليها، ولن يبقى إسرائيلي واحد في سيناء.

وفي المقابل، لم يقدم الوفد الإسرائيلي أي مقترحات، فشعر كارتر بخيبة الأمل وأدرك أن إسرائيل لا تنوي التوصل إلى اتفاق سلام كما يطمح.

اللقاء الأول
وفي اللقاء الأول للزعماء الثلاثة، قرأ السادات لمدة 90 دقيقة مسودة مكونة من 11 صفحة طالب فيها بدولة فلسطينية وسيادة عربية على القدس واستعادة سيناء وإزالة المستوطنات وانسحاب إسرائيل إلى حدود 67، وبعد انتهائه، سادت لحظات من الصمت كسرها كارتر بمزحة قالها لـبيجن بأن عليه أن يوفر العناء على الجميع من خلال التوقيع على الاتفاق كما هو. ولكن «بيجن» رد بالقول إنه "يقدر العرض المصرى وكيف عمل المصريون بجد على صياغة تلك المسودة، ولكن يجب أن يقرأها بصحبة مساعديه ومستشاريه بعناية كاملة"، ووافق الثلاثة على اللقاء من جديد في صباح اليوم التالى.

وفي اجتماعهما الثالث الذي عقد يوم 7 سبتمبر بين كارتر وبيجن، أعرب بيجن عن غضبه من المطالب المصرية، ورغم أن كارتر حاول تهدئته، بحث بيجن عن الأخطاء القانونية، وبدأ يفند العرض المصري قائلا: "الفلسطينيون؟ هذه إشارة غير مقبولة على الإطلاق.. اليهود أيضًا فلسطينيون، الأراضى المحتلة؟ غزة أيضًا كانت محتلة من قبل المصريين".

وواصل انتقاده إلى العرض ما دفع كارتر إلى احتقاره، وفوجئ بلهجة حادة في خطاب كارتر، واتهم بيجن بالرغبة في التمسك باحتلال الضفة الغربية، وأن عرضه بالحكم الذاتي في الضفة الغربية مجرد "حيلة" للاحتفاظ بالأراضي المحتلة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، ولم تكن اتهامات "كارتر" لتمر دون رد من «بيجن»، الذي شعر بأن الرئيس الأمريكى يشكك في نزاهته، وأكد أنه يرفض تمامًا ما قاله الرئيس الأمريكى، والتفت من جديد إلى العرض المصرى وتابع: "هذا العرض سيجعل اليهود يبدون كأقلية في وطنهم الخاص، هذا ما يريده السادات، هو يكافح للوصول إلى هلاك اليهود من خلال بنود عرضه".

رايت، كان لديه نظرة ثاقبة ترجمت بعض اللحظات في الأيام الـ13، فعندما اصطحب كارتر كلا الوفدين في رحلة إلى جيتيسبيرج في اليوم الخامس من القمة، فاجأ بيجن الجميع بقراءة " خطاب جيتيسبيرج "، وهو خطاب ألقاه أبراهام لينكولن أثناء الحرب الأهلية الأمريكية ويعد واحدا من أكثر الخطابات شيوعا في التاريخ الأمريكي، عن ظهر قلب.

مباراة مشحونة
وفي اليوم نفسه، جلس بيجن ومستشار الأمن القومي " زبيغنيو بريجنسكي " للعب الشطرنج، ووصف رايت المشهد بأنه" مباراة مشحونة : اثنان من المغتربين البولنديين يواجهان بعضهما البعض ولكل منهما ذكاء إستراتيجي لا يرحم.

ويوما بعد يوم كانت المفاوضات تزداد صعوبة، وأشار رايت إلى الحالة الصحية لكل من بيجن والسادات، وأوضح أن المضيفين الأمريكيين كانوا يخشون من صغوط القمة المطولة، قائلا: يمكن أن تشكل المفاوضات خطورة لكل من الرئيسين، وكان الموت ضيفا غير معترف به لكنه كان حاضرا دائما.

في صباح اليوم الحادي عشر، اقتحم سايروس فانس، وزير الخارجية آنذاك، مقصورة الرئيس جيمي كارتر، وقال له " إن السادات يغادر"، هرع كارتر للعثور على الرئيس المصري ليجده وضب حقائبه ويستعد للمغادرة، وقال كارتر " هل فكرت حقا بشأن ما يعنيه ذلك؟ إن الانسحاب يعني نهاية علاقة مصر مع أمريكا. بل أضاف: " وربما يعني نهاية رئاستي".

في نهاية المطاف، بقي السادات، وبعد يومين، شهد العالم اتفاق كامب ديفيد للسلام التاريخي بين مصر وإسرائيل، رغم أن وزير الخارجية المصري محمد كامل استقال سرا احتجاجا على استعداد الرئيس المصري للموافقة على الاتفاقية.

وقدم رايت خلال كتابه السادات بأنه البطل الحقيقى في مسار مفاوضات السلام في كامب ديفيد لأنه كان الزعيم الذي كان يحمل رؤية بعيدة، وهو الذي أبدى جرأة كبيرة في إطلاق مسار كامب ديفيد الذي أفضى إلى السلام بين أعداء الأمس بسفره إلى القدس سنة 1977 وإلقاء خطابه التاريخى في الكنيست، كما أنه دفع ثمن السلام من حياته حيث اغتيل سنة 1981.


الجريدة الرسمية