الجمهورية الرابعة
أما الجمهوريات الثلاث فهي جمهورية ناصر لمدة ١٨ عاما، والثانية للسادات ومبارك واستمرت ٤٠ عاما، والثالثة فقد استمرت عامين من ٢٠١١ إلى ٢٠١٣ فترة حكم المجلس العسكري والإخوان وعدلي منصور، حتى وصل السيسي للحكم لتبدأ الجمهورية الرابعة، وتسقط الجمهوريات الثلاث تحت شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني، والأهم هو سقوط دولة يوليو بكل ما فيها، أو هكذا كان الظن غير أن ممارسات الفترة الرئاسية الأولى لم تبد الانحيازات لتلك الشعارات، بل ربما تكون امتدادا لدولة يوليو في أسوأ ممارساتها، على الرغم من تأسيس شرعية السيسي من صندوق الانتخابات، والتفويضات المتعددة التي منحها له المصريون بصورة حقيقية، من خلال الرهان على صيانة الدولة وحماية مؤسساتها من السقوط، وللحقيقة فقد نجحت الجمهورية الرابعة وبامتياز في تلك المهمة، ولكن سقف الطموحات التي رفعتها التصريحات في الدعاية الانتخابية الرئاسية، كانت سببا لإحباط حتى أكثر المؤيدين، ثم كان التنفيذ القاسي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي سببا مهما للتراجع عن الحماسة الأولية للرئيس، وبعد ذلك كان غياب بصمة الشباب بدءا من البطالة والمشاركة السياسية، سببا ثالثا للقلق رغم كل الوعود التي وصلت لنفاق الائتلافات الشبابية مع شعور الغالبية النشطة منهم بفضلهم في ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، وإنه لولا نشاطهم ما وصل كل الكبار لكراسيهم.
وبدون الدخول في دوامة التكهنات حول مرشحي الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنه وفقا للدستور في المادة ١٤٢ تبدأ إجراءات الانتخابات قبل انتهاء مدة الرئاسة الحالية بمائة وعشرين يوما، أي قبل الأسبوع الثاني من فبراير المقبل، ومع هذا ليس هناك مرشح سوي السيسي، وأي اسم أعلن نيتة في الترشح واجه سخافات ومضايقات لا تليق بكل ما حدث في مصر من تغيير في المفاهيم السياسية من عصر الاستفتاءات لعصر الانتخابات، وهو ما أدي لعزوف كثيرين عن الترشح، وعزوف أكثر عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، وربما ستكون مفاجأة الانتخابات المقبلة في ضعف المشاركة، بسبب ائتلاف الدببة الذي لايزال يعيش بعقلية ما قبل دستور ٢٠١٤، ويتصور أن أي مرشح أمام السيسي هو خائن ومعارض وعدو له وللوطن وتلك كارثة..
واذا ما استمر هذا الوضع وفِي ظل استمارات "عشان تنبنيها" لن يكون هناك أية انتخابات، وإذا ماجرت ستكون أشبه بالاستفتاءات بما يعيد الأوضاع السياسية لما كانت عليه قبل ٢٥ يناير، وربما أسوأ، وليس من المعقول عدم وجود عشرة أشخاص على الأقل من بين المائة مليون مصري يصلحون للمنافسة على المنصب، والمشكلة أننا جميعا نتكلم عن الديمقراطية والمنافسة والشفافية والنزاهة، ولكننا أيضا لا نمارس أيا من تلك الشعارات.
والأمر كذلك فليس أمام النخبة إلا أن تضع البرنامج الذي ينقل الوطن خطوات، أو وضع تصورات للمستقبل يعتمد على إحياء المشاركة، وإعادة شرح مواد الدستور للانتقال من ثقافة الاستفتاء للانتخابات، والهدف هو اقتناص الفرصة حتى نتجنب إخفاقا تاريخيا دفعت فيه الأمة المصرية ثمنا باهظا منذ الستينيات وحتى ٢٠١٣، وهذه المرة فإن التجربة مخضبة بالدماء، لأنه من غير المعقول بعد حدثين كبيرين في ٢٠١١ و٢٠١٣ وشهداء وتدمير للاقتصاد، لا نتقدم خطوة واحدة في المسار السياسي، وتلك المرة إما أن يكون الرئيس الجديد أيا كان كمن سبقوه يبدأ بالآمال العظام، وينتهي بالإبقاء على الأوضاع على حالها، ونستمر في ذيل الترتيب بين الأمم، ولهذا فإن أبسط مطلب للجمهورية الرابعة في فترتها الثانية ألا تكون مثل ما قبلها في قفزة تليق بصبر الشعب المصري بشرط ألا تستمر التبريرات بأن ضرورات الاستقرار والأمن تبيح محظورات الحرية والإبداع، أو الاحتماء بشعارات وعبارات عظمي للتغطية على فشل قائم، أو استخدام الأمن القومي إلا فيما يتعلق بالتهديدات المباشرة لحدود الدولة، وما ينطبق على الأمن القومي ينطبق أيضا على الدين فكلاهما لا يصلح لاحتكار فئة أو جماعة..
ثم ضرورة فهم أن وظيفة السلطة هي إدارة الثروة وليس إدارة الفقر، وأن مصر هي ملك لكل المصريين، وأن القانون سيد على الجميع، لا أحد فوقه، ولا أحد تحته، وأخيرا الفهم بأن ما كان مناسبا في الستينيات غير قابل للتكرار الآن في السياسة والإعلام والاقتصاد، وأظن أن فترة الرئاسة المقبلة خلال الأربع سنوات المقبلة هي آخر سنوات للفترة الانتقالية، وأنها تؤسس للمستقبل.