رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى «العدوان الثلاثي».. قصة خطف الضابط المغرور «مورهاوس» ببورسعيد

فيتو

تحتفل بورسعيد اليوم بالذكرى الـ61 لانتصار المقاومة الشعبية ودحرها للعدوان الثلاثي، تزامنا مع العيد القومي للمحافظة "23 ديسمبر".


وبالإبحار في تاريخ بورسعيد البطولي، نجد المئات من البطولات التي تتجلى فيها معاني الفداء من أهالي المحافظة، التي تحدت غطرسة واعتداء ثلاث دول غاشمة؛ لينجح أهالي المحافظة بدفاعهم عنها واتحادهم سويا، في الانتصار على دول العدوان الثلاثي.

ومن أشهر قصص البطولة التي قام بها أهالي بورسعيد، هو عملية خطف الضابط الإنجليزي "مورهاوس" ابن عمة ملك إنجلترا، وهي القصة التي ظهرت في أشهر الأفلام، التي تحدثت عن بطولة بورسعيد في العدوان الثلاثي، وهو فيلم "بورسعيد" للفنان الكبير فريد شوقي، والفنانة الكبيرة هدى سلطان، والفنان شكري سرحان، والفنانة ليلى فوزي.

وتنشر "فيتو" الصور الحقيقية لأبطال عملية "مورهاوس" الأصليين، والضابط الإنجليزي الذي تم أسره "مورهاوس"، وصور لدوريات التفتيش الإنجليزية التي كانت تبحث عن مورهاوس.

سبب العملية
كان 11 ديسمبر عام 1956، من أكثر الأيام بؤسا التي شهدتها بورسعيد، فقام ضباط وجنود العدوان الثلاثي بعمل غارات مسلحة وإطلاق رصاص عشوائي بشوارع بورسعيد، وهدموا المنازل باستخدام القذائف، وقتلوا النساء والأطفال.

وتحولت بورسعيد بأكملها إلى ثكنة عسكرية، ورائحة الدم في كل مكان، والحزن يخيم على المدينة، ما دفع مجموعة من الفدائيين من أبناء بورسعيد وهم: "محمد حمدالله، محمد سليمان‏، أحمد هلال‏، حسين عثمان، طاهر مسعد، وعلى زنجير" قائد السيارة رقم "57"، باتخاذ قرار بالرد على هذه الأفعال، بعمل كبير يثأرون به، بجانب ضرورة أسر ضباط إنجليز؛ لاستبدالهم بضباط مصريين أسرى.

تفاصيل العملية
واجتمع الفدائيون واتفقوا على خطف "الضابط الإنجليزي مور هاوس" الذي كان معروفا عنه الغرور والتكبر وكراهية المصريين؛ ليردوا اعتبار المصريين، ورصدت مجموعة الفدائيين تحركاته اليومية بالفعل، وفي تمام السابعة صباحا، انتظر الفدائيون مرور الضابط "مورهاوس" بسيارته في شارع رمسيس داخل سيارة سوداء كان رقمها (57 قنال)، وكلفوا أحد الأبطال من الأطفال كان يقود دراجة باستدراج الضابط الإنجليزي، عند تقاطع شارعي رمسيس مع صفية زغلول.

وبدأ الضابط الإنجليزي في محاولة مطاردة الطفل؛ ليوقفه ويقتله؛ لأن في ذلك الوقت كان الإنجليز قد منعوا ركوب الدراجات، بعد أن ‏استخدمها الفدائيون ‏في رمي القنابل على قوات الاحتلال، فجرى الضابط وراء الطفل، محاولا الإمساك به.

وعقب ذلك وصل الطفل إلى أسفل أحد المنازل بشارع جانبي، فنزل الضابط محاولا الإمساك به وضربه، وفي وقت سريع ظهر الفدائيون، حسب الخطة الموضوعة، ونجحوا في إقناع الضابط الإنجليزي بأنهم ضباط مصريون، وسيأتون بالطفل له في مكان تجمع معسكر الاحتلال، ويجب على الضابط أن يرحل حتى لا يتجمع الأهالي حوله ويفتكوا به.

غرور مورهاوس
ولأن الضابط الإنجليزي كان مغرورا، وبسبب ثقته الزائده، قذف ‏الطبنجة الخاصة به في تابلوه السيارة، فخطفها أحد أبطال المقاومة، وهي مازالت في الهواء، ثم قام أبطال المقاومة الشعبية بتقييد حركته.

ووضع الفدائيون "مورهاوس" داخل السيارة السوداء الخاصة بهم، وكانت سيارة خدمة المياه، وكان مسموح لها بالمرور في حظر التجوال المفروض في الشوارع في ذلك الوقت، وكمموا فم "مورهاوس".

وبعد ذلك انطلق الفدائيون مسرعين إلى شارع النهضة، ثم شارع عرابي، وأثناء سيرهم قابلتهم دورية إنجليزية، فاضطروا إلى الدخول إلى بلوكات النظام من الباب الخلفي، وأحضروا صندوقا حديديا، ووضعوه بداخله، حتى يتمكنوا من الهروب به دون أن يعترضهم أحد، ولكنهم لم يلاحظوا أن الصندوق مقلوب.

واتجهوا به إلى منزل الدكتور أحمد هلالي، وهو منزل مواجه لأحد مراكز القيادة البريطانية، وكان من المستبعد أن يفكر البريطانيون أن ضابطهم موجود داخل هذا المنزل.

فرض الحصار
وبمجرد اختفاء الضابط الإنجليزي "مورهاوس" فرضت القوات البريطانية حصارا مشددا على المنطقة، وقرروا حظر التجوال في الشوارع، ما جعل الفدائيون لا يستطيعون الوصول إلى صندوق "مورهاوس"، الذي كان موجودا فيه.

وبسبب عدم قدرة الضباط الإنجليزي في الوصول لمكان مخبأ "مورهاوس" جن جنونهم، وقاموا بعمل دوريات تفتتيش في كل مكان ببورسعيد، كما قاموا بتعذيب الأهالي، وعمل حصار ابتداء من شارع كسرى حتى طرح البحر، ومن شارع الأمين حتى شارع محمد، وهي منطقة كبيرة جدا، ووضعوا الأسلاك الشائكة لمدة ثلاثة أيام.

تعذيب وصمود
وحاولت قوات الاحتلال إرغام البورسعيدية على الإفصاح عن مكان مورهاوس بشتى الطرق، فعذبوهم بكل وحشية، ضاربين بكل المواثيق الدولية عرض الحائط، وعلقوا المشانق، وفتحوا خراطيم المياه الباردة على المواطنين العرايا، وجعلوا المواطنين يحفرون حفرا بأنفسهم ليدفنوا فيها، ولكنهم لم يصلوا إلى شيء، فاضطروا إلى الانسحاب من حي المناخ والعرب إلى حي الإفرنج، الذي كان يقطن فيه "الأجانب المستعمرون".

وفاة مورهاوس
وعندما وصل الفدائيون إلى المنزل المخبأ فيه مورهاوس، وفتحوا الصندوق وجدوه ميتا، فلم يجدوا مفرا من أن يقرروا دفنه أسفل سلم المنزل، ولفظ "مورهاوس" أنفاسه الأخيرة؛ بسبب شدة الحصار، وعدم قدرة الفدائيين لدخول العقار المخبأ به، بجانب وجوده داخل الصندوق بدون أكل أو شرب ثلاثة أيام، كما أن الصندوق كان مقلوبا.

تسلم الجثمان
وبعد مداولات قررت مجموعة الفدائيين تسليم جثة "مورهاوس"، بعد أن قررت القوات المعتدية وقف إطلاق النيران والانسحاب من بورسعيد بلا عودة، وبالفعل تم تسليم الجثة للقوات الدولية، وللجنة التي شكلها مجلس الأمن، وعقب ذلك تم محاكمة مورهاوس في إنجلترا بعد وفاته؛ بسبب تخاذله وترك سلاحه ووحدته دون أوامر.
الجريدة الرسمية