رئيس التحرير
عصام كامل

متحف الفن الإسلامي.. قبلة الباحثين والمؤرخين في العالم (صور)

فيتو

في منطقة باب الخلق، حيث قلب القاهرة النابض بالحياة دومًا، يسكن كيانًا يحوي آثارًا ودلائل على عبقرية الحضارة الإسلامية، وبراعة الفنان المسلم الذي كان يبدع في استغلال كل ما حوله في بيئته لصنع احتياجاته التي لم تخل أبدًا من لمسات جمالية.. إنه متحف الفن الإسلامى، أحد أكبر متاحف الفنون الإسلامية في العالم.


تكمن أهمية هذا المتحف في ما يضمه من قطع وتحف أثرية تعكس تنوع وثراء الحضارة الإسلامية من مختلف الدول وعبر عصور عدة، فيحوى 100 ألف قطعة وتحفة أثرية من إيران والصين والهند والأندلس وبلاد الشام والجزيرة العربية، بالإضافة إلى مصر، مما يجعله منارة للفنون الإسلامية وقبلة لكل الباحثين والمؤرخين والزائرين من عشاق الفن الإسلامي من كل الفئات والأعمار.

                                متحف الفن الإسلامى.. قبلة عشاق الفن الإسلامي من كل الفئات والأعمار

جاءت فكرة إنشاء هذا المتحف في عهد الخديو إسماعيل، حيث لم يكن هناك مكانًا واحدًا يجمع تحف الفن الإسلامي، وتم تنفيذها في عهد الخديو توفيق حيث تقرر جمع التحف في اليوان الشرقي من جامع الحاكم بأمر الله، ولكن ضاق هذا اليوان بالتحف، لذا فقد تم بناء مكانًا خاصًا بها في صحن الجامع ذاته.

واستمر هذا الوضع حتى افتتح المتحف الحالي بشارع بورسعيد للمرة الأولى في 28 ديسمبر 1903، وشيدت واجهته على طراز المباني المملوكية المنتشرة بأرجاء القاهرة، وكان يعرف جزءه الشرقي بدار الآثار العربية وجزءه الغربي باسم دار الكتب السلطانية، ولم يُعرف باسمه الحالى إلا منذ عام 1952.

 
                              متحف الفن الإسلامى في مصر جمع قطع فنية إسلامية فريدة في مكان واحد

يحوي المتحف عددًا كبيرًا من القاعات وهى، المقدمة، قاعة مقتنيات العصر الأموى – قاعة العصر العباسي، قاعة العصر الفاطمي، قاعة العصر الأيوبي، قلعة العصر المملوكي، قاعة مقتنيات الفترة التاريخية من العصر المملوكي إلى العصر العثماني، وقاعة لمقتنيات العصر العثماني إلى محمد علي، وقاعة العملة والسلاح، وقاعة مقتنيات شرق العالم الإسلامى، وقاعة الكتابات، وقاعة النسيج والسجاد، وقاعة الحياة اليومية، وقاعة المياه والحدائق، وقاعة العلوم، وقاعة الطب.

 
                                   قاعة المياه والحدائق.. إحدى قاعات المتحف المتعددة والمتنوعة

وتتميز القطع التي تضمها قاعات المتحف بأنها تُمثل جميع فروع الفن الإسلامي في مختلف العصور، وتعكس ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية في مجالات شتى، على رأسها مجال العلوم المختلفة مثل الطب والهندسة والفلك، حيث تشتمل أقسام المتحف على مخطوطات وتحف في الطب والجراحة والأعشاب، وأدوات الفلك من الإسطرلابات والبوصلات والكرات الفلكية.


                              مخطوط تشريح البدن لمنصور ابن إلياس الشيرازى – إيران – القرن 17 الميلادى

أما في مجال الفنون الفرعية التي تُمثل مستلزمات الحياة، فهناك قاعة مخصصة للأعمال الفنية التي يتم تصنيفها في هذا الإطار كالأواني المعدنية والزجاجية والخزفية، والحلي والأسلحة والأخشاب والعاج والمنسوجات والسجاد والحياة اليومية.

 
                                          جانب من الحلى التي يزخر بها متحف الفن الإسلامي

ويضم متحف الفن الإسلامي قاعة خاصة بالمنتجات الفنية الإيرانية، والتي لا تخلو من أشكال وألوان من الخزف الإيراني الشهيرة، كما يحوي المتحف سجاد يعكس مدى براعة الفنان المسلم في هذه البقعة.


                      سجادة من الصوف والقطن تعود إلى عصر الدولة الصفوية بإيران – القرن 17-18 ميلاديًا

ويضم المتحف أيضًا صناديق وكراسي للمصاحف من الخشب المصفح بالنحاس المرصع بالفضة أو الذهب، وكذا المحابر والعلب الإسطوانية، وجميعها مرصعة بالذهب والفضة، فضلا عن الشمعدانات والثريات المعدنية الضخمة والمباخر وأمثلة لنوافذ صممت على الطراز الإسلامى، كما أن المتحف يضم أيضًا مجموعة نادرة من شواهد القبور الحجرية والتي حُملت إليه من مختلف أنحاء البلاد.

 
                                               مجموعة من شواهد القبور المعروضة بالمتحف

كما يحوى المتحف قاعة مخصصة للسلاح والمسكوكات ويضم دروع أسلحة كانت تستخدم في الحضارات الإسلامية المتعاقبة، وسيوف بعض سلاطين المماليك، وكذا بعض الأسلحة النارية من إنتاج تركيا العثمانية والهند المغولية، وجميعها مرصع بالذهب والفضة أو مرصع بالجواهر والأحجار الكريمة، ويوجد سيوف وخناجر خاصة بمحمد الفاتح والسلطان سليم الأول وطومان باى، بالإضافة إلى قطع ترصد تاريخ الأسطول الإسلامي والبحرية الإسلامية.

كما أن هذا القسم أيضًا يضم عددًا من العملات المعدنية التي كانت تستخدم في المعاملات التجارية إبان العصور الإسلامية، ويوجد في منتصف القاعة مكانًا لعرض عملات متنوعة الأشكال والألوان والمعادن مصفوفة بشكل جمالى وهى من الذهب والفضة والنحاس والبرونز، وهذه العملات تنتمى إلى عصور مختلفة من الحضارة الإسلامية، فيوجد قطع نقود تعود إلى عصر المماليك البحرية ونقود المماليك الجراكسة، ونقود بأسماء السلاطين خشقدم وقايتباي والغورى، ومحمد على.

كما يضم هذا القسم نقود تحمل اسم السلطان صلاح الدين الأيوبي، والسلطان العادل، ومجموعة من النقود الذهبية بأسماء الخلفاء الفاطميين مثل الحاكم بأمر الله، بالإضافة إلى " فلس نادر" يحمل اسم أحمد بن طولون ودنانير تحمل اسم خمارويه بن أحمد بن طولون.

 
                                              عملات معدنية بقاعة الأسلحة والمسكوكات

وفى قاعة الكتابات والمخطوطات، بحر من الذكريات على الأوراق، تحكي عن جوانب من الحضارة الإسلامية بعصورها المتعاقبة ومن قرون مختلفة تحكى حكايات عن حضارة ثرية وغنية.

 
                             ورقة من مخطوط ينتمي إلى العصر المملوكى بمصر – القرن 15 الميلادي

وتعرض المتحف في مراحل عدة لأعمال الترميم، وكانت البداية ما تعرض له من أعمال الإصلاحات بين عامى 1983- 1984، وفي عام 2003 بدأت عمليات التطوير الشامل بالمتحف، وتم إعادة افتتاحه في 28 أكتوبر 2010، وفى 24 يناير 2014 تعرض المتحف لدمار كبير إثر تفجير استهدف مديرية أمن القاهرة التي تقع بالجهة المقابلة للمتحف.

و قام العاملون به بحماية المبنى والمقتنيات الأثرية وتخزينها مباشرة بعد إنقاذها من بين الأنقاض، كما قامت إدارة الترميم بالمتحف ببذل مجهود مضاعف لجمع التحف الأثرية من بين الركام والعمل على ترميمها بنجاح، ظل المتحف على حاله قرابة العام بعد تفجير 2014 حتى تم البدء في إعادة تأهيله مع حلول أوائل عام 2015، وذلك عن طريق المنح المقدمة من الجهات الدولية المختلفة، وأعيد افتتاحه من جديد في يناير الماضى.

 
                                    قطعة من الجزء الخاص بالمقتنيات الأثرية للحياة اليومية

بمجرد زيارة المتحف سيتحقق الزائر من حجم التقدم الذي وصل إليه المسلم والحضارة الإسلامية عبر العصور، ومدى الدقة في تصميم أدق أدواته في كافة المجالات في حياته.

كما أن القطع الفنية بالمتحف تؤكد أن الحضارة الإسلامية الممتدة عبر عصور طويلة وأيضًا على مساحة جغرافية واسعة ثرية وتفاصيلها غنية، وأن الفنان المسلم كان يتنفس فنًا، ولقد أدى التعدد في الأقاليم التي كانت تنتمى إلى الإمبراطورية الإسلامية إلى تعدد الأشكال الفنية والأساليب الإبداعية التي تحمل روح كل إقليم ولكن في إطار فلسفة إسلامية يتوحد فيها كافة الأقاليم وهى فلسفة قائمة على التجريد.


                                المنتجات الاستعمالية لا تخلو من الحس الجمالى في قطع الفن الإسلامى
الجريدة الرسمية