إلى وزير التعليم.. هذه بضاعتكم ردت إليكم
حالة من الانزعاج الشديد يعيشها وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور طارق شوقي، وعدد من المسئولين داخل الوزارة؛ بسبب ما يعتبرونه تدخلًا سافرًا من قبل أولياء الأمور في شئون الوزارة، عبر جروباتهم على "فيس بوك"، و"واتس آب". حالة الغضب التي تنتاب الوزير عبر عنها في أكثر من وسيلة إعلامية، وعبر عدد من اللقاءات، ووصلت الأمور إلى أن وجه الوزير مطلبًا صريحًا لأولياء الأمور بترك " فيس بوك" والتركيز في تربية أبنائهم، وبث القيم في أولادهم وحسن التربية، قائلًا: "لو سابوا فيس بوك وربوا الأولاد يبقى أحسن".
كانت تلك الكلمات للوزير أثناء مشاركته في مؤتمر "معًا لمصر" الذي نظمته محافظة الجيزة في الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي. انتقادات "شوقي" لأولياء الأمور وتدخلاتهم المزعجة بالنسبة له في ملف التعليم لم تقف عند هذا الحد؛ بل إنه اتبعها بحديث أكثر قسوة حول نفس القضية، عندما قال إن "أولياء الأمور في مصر يتدخلون في وضع جدول الامتحانات، وعقب على تلك الجزئية بقوله: "هذا ليس لأولياء الأمور بالمرة". ولفت، خلال لقائه ببرنامج "أون اليوم" المذاع عبر فضائية "أون لايف"، يوم الأربعاء الموافق 20 ديسمبر الجاري، إلى أن مصطلح "ميد تيرم" انتهى ولا يوجد في العالم كله، حيث يوجد في مصر فقط. وأكد أنه كان مذهولا من تدخل أولياء الأمور في العملية التعليمية، معتبرًا أن التعليم ليس ما يطلبه المستمعون، مشيرا إلى أن التعليم عبارة عن قواعد ولابد من الالتزام بها، وهو ما لا يحدث في مصر.
تتنافى هذه الرؤية المطروحة مع التصرفات والإجراءات التي بدأ بها الدكتور طارق شوقي حياته داخل الوزارة، فمنذ اليوم الأول له داخل التربية والتعليم في 14 فبراير الماضي أي منذ نحو 10 أشهر تحديدًا، أظهر الوزير تعاونًا كبيرًا مع أولياء الأمور، وأجرى أكثر من لقاء للاستماع إليهم، ووصلت الأمور إلى حد تدشين أكثر من جروب "واتس آب" اشترك فيه الوزير وقيادات وزارته مع أولياء أمور، وكذلك شارك الوزير بعدد كبير من التدوينات في مجموعاتهم على "فيس بوك"، وأظهره ذلك بمظهر المتفاعل مع "نبض الشارع" والمتابع لدقائق الأمور في العملية التعليمية، وأدى إلى أن اعتبرته مجموعات أولياء الأمور عبر صفحات السوشيال ميديا بأنه وزير من طراز فريد؛ لكن شهر العسل لم يلبث أن انتهى، ووصلت الأمور إلى حد تبادل الاتهامات، وإعلان عدد كبير من أولياء الأمور الهجوم على سياسات الوزير التي كانوا يهللون لها قبل أشهر، وكذلك إعلان "شوقي" أن تربية الأبناء أولى من "فيس بوك"، وأن العملية التعليمية أعقد من أن يفهمها أولياء الأمور.
والمتابع لرحلة الوزير الحالي داخل الوزارة منذ نحو 10 أشهر، يدرك جيدًا أن ما سعى إليه منذ البداية بات لا يجده في تلك المجموعات، حيث كان يعتقد أن تظل تلك المجموعات تدافع عن سياساته باستمرار، وتصبح صفحاتها أبواقًا تردد ما يراه الوزير، الذي كثيرًا ما لجأ إليها في محاولة لبناء صورة ذهنية معينة حول أفكاره وآرائه التي غالبًا ما يفاجئ بها قيادات تنفيذيون داخل ديوان عام الوزارة.
كما أنه لجأ إليها عندما تعرض إلى هجوم شديد عقب حواره الذي صنع أزمة كادت أن تعصف به، والمعروف إعلاميًا بحوار "الحرامية"، ولجأ إلى تلك الجروبات عندما تعرض إلى هجوم شديد من قبل نواب البرلمان، وأعضاء لجنة التعليم في مجلس النواب خلال الأشهر الماضية، ومع ذلك فإن ما كان يزعج الوزير به غيره، ويجد فيه ملاذًا وملجأ أمام مساحات الانتقادات التي يواجهها من أكاديميين وبرلمانيين وكتاب متخصصين، وإعلاميين بسبب المشكلات المتراكمة للتعليم، والتي يحاول الوزير أن يتنصل من مسئوليتها، ومنها قضية المدارس اليابانية التي فشلت الوزارة في تنفيذ التجربة في 6 مدارس فقط، في حين أن المطلوب هو تنفيذ التجربة في 100 مدرسة، وكذلك أزمة التغذية المدرسية التي توقفت العام الدراسي الماضي إثر إصابة المئات من الطلاب بحالات تسمم جماعي، وإلى الآن لا يعلم مصير ذلك، ووصولًا إلى تأخر تسليم الكتب المدرسية إلى المدارس، والأزمات والمشكلات التي لا تنتهي في المدارس الخاصة والدولية.
واجه وزير التعليم وما زال يواجه العديد من المشكلات والانتقادات في تلك الاتجاهات وغيرها، وكان في كل مرة هناك شماعة يعلق عليها الأخطاء، ويلقي دوما باللوم على منظومة التعليم المهترئة كما يصفها الوزير، وفي كل مشكلة يخرج "شوقي" بتدوينة عبر "فيس بوك" ويداعب أحلام أولياء الأمور بأنهم أقرب إلى الوزير، إلا أن حالة القطيعة التي بدأت مؤخرًا بينه وبينهم، تؤكد أنه بدأ يعي أن تلك السياسة لن تجدي نفعا على المدى البعيد في وزارة بحجم التربية والتعليم، وجرح الوزير بما كان يراه سيفًا مصلتا للدفاع عنه؛ ولكن هذا الوضع لا يدفع أحدًا للتعاطف مع "شوقي" فتلك بضاعته ردت إليه.