تيار المواجهة التنويري
وهب الله لنا عقولا وطلب منا أن نفكر بها، والتفكير يتطلب إدراك الواقع، وفهم النصوص، والواقع يتغير، والزمن يتبدل، والنصوص وإن كانت ثابتة إلا أنها دائمًا ترتبط بالواقع المعاش، إذ ليست هي بمنأى عن حياتنا الدنيا، والإنسان الذي يظل واقفًا في مكانه أحسن له أن يكون حائطًا من أن يكون إنسانًا، ومع غلبة تيار النقل أرى أنه يجب أن يكون هناك تيار للمواجهة مع تلك الأفكار النقلية التي نقلت لنا تراثًا فكريًا عربيًا من إنتاج عقول اجتهدت في فهم الدين منذ قرون بعيدة، ثم دمجت تلك المدرسة النقلية هذا التراث الإنساني بالنصوص المقدسة، ليكون الناتج ليس هو الدين الحقيقي الذي أنزله الله سبحانه ليكون رحمة للعالمين..
وقد جمعتني جلسات مع ثلة من كبار المفكرين المصريين مثل الدكتور مراد وهبة والدكتورة منى أبو سنة والدكتورة هالة فؤاد والدكتور جابر نصار وآخرين لهم مكانتهم وقدرهم في كل جوانب المعرفة في الفلسفة وعلوم النفس والآداب، ثم انتهينا إلى ضرورة أن تقوم هذه الأمة بإحياء مدرسة الإمام محمد عبده وتطبيقاتها المتمثلة في كتابات طه حسين وعلي عبد الرازق ومحمود أبو رية، مستلهمة في ذلك المنطلقات الفكرية لفيلسوف الأمة "ابن رشد".
هذه هي مدرسة العقل التي غابت عن الأمة قرونًا طويلة، سادت فيها مدرسة النقل بسطحيتها، وكان من أثر هذه السيادة أن غاب الإبداع عن الأمة، ثم ترتب على ذلك أن أصبحنا لا نعيش مع فهمنا نحن للدين، ولكن مع فهم القدماء، لذلك كانت المرافقة التي جعلتنا نعيش في القرن الواحد والعشرين بعقلية من يعيش في القرون "السابع والثامن والتاسع"! وكأن الإسلام دين محلي مرتبط بحقبة زمنية محددة ومجتمع بعينه، وهذه أكبر إساءة لعالمية الإسلام وعدم محدوديته.
هذا هو ما فكرت فيه تلك الثلة، فقدَّرت أن المؤسسات الرسمية مثخنة بما فيها، لذلك كان يجب أن يكون هناك كيان إنساني يضم عقولا تسعى بفكرها وعلومها وأفهامها إلى مواجهة جماعات التطرف والإرهاب، لذلك كان تيار المواجهة الذي سيخرج للحياة قريبًا.