مصر وقانون التأمين الصحي الجديد
أسعدني كثيرا موافقة البرلمان على قانون التأمين الصحي الجديد في ظل معاناة مصر في مجالين أساسيين: هما مجال الصحة ومجال التعليم، ويبشر هذا القانون بقرب حلول مشكلة الصحة، فمن خلال هذا القانون ترتفع بنسب قليلة تأمينات المؤمن عليهم والمشتركين في منظومة التأمين الصحي، بحيث نجد أن العاملين المؤمن عليهم الخاضعين لقانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 سيتحملون اشتراكًا بقيمة 1% من الأجر، وبالنسبة إلى المؤمن عليهم ومن في حكمهم الخاضعون لقانون التأمين الاجتماعي رقم 108 لسنة 1976 وأعضاء المهن الحرة والمصريون العاملون بالخارج غير الخاضعين للمادة 48 من هذا القانون سيتحملون 5% من الأجر التأميني، أو من الأجر وفقًا للإقرار الضريبي أو الحد الأقصى للأجر التأميني أيهما أكبر.
والأرامل وأصحاب المعاشات والمستحقون للمعاشات سيتحملون 2% من المعاش الشهري، والمعالون سيتحملون نسبة 3 % عن الزوجة غير العاملة أو التي ليس لها دخل ثابت و1% عن كل معال أو ابن بحد أقصى اثنين من الأبناء و1.5% فيما زاد عن ذلك من الأبناء، ويتحمل أصحاب الأعمال عن العاملين لديهم 4% (3% تأمين مرض + 1% إصابات عمل) نظير خدمات تأمين المرض والعلاج وإصابات العمل من إجمالي الاشتراك للعاملين المؤمن عليهم وفقا لأحكام القانون رقم 79 لسنة 1975 وبحد أدنى 50 جنيهًا شهريًا، وتتحمل الخزانة العامة عن غير القادرين 5% من الحد الأدنى للأجور المعلن عنها بالحكومة على المستوى القومي.
وكل هذا أمر جيد لكن المطلوب في النهاية أداء خدمة صحية على مستوى عال من الكفاءة، وإلا صار ذلك القانون ما هو سوى رفع في الاشتراك وثبات في الخدمة، فنحن نجد أن معظم عيادات ومستشفيات التأمين الصحي لا تقدمان خدمة إنسانية تُذكر، ونجد آلاف المرضى يفترشون أرض العيادات في مشهد لا إنساني في انتظار الكشف الذي يكون روتينيا، وفي حالة احتياج المريض لعملية تكون تقريبا على حساب المريض الذي يشتري كل مستلزماتها والأدوية بعد ذلك بحجة عدم توافر كل ذلك، فأوضاع الصحة الحالية في مصر قمة المأساة، فهل يحل ذلك القانون –الذي لم يستطع كثير جدا من أعضاء مجلس الشعب حل شفرته ومرروه لظنهم أنه في الصالح- المعاناة الصحية في مصر؟ أم سيتحول إلى مجرد ورق لا قيمة له، وتظل الخدمة الصحية في منتهى الرداءة، ويظل الأطباء يتعاملون مع المرضى في العيادات الحكومية والمستشفيات الحكومية على أنهم عبيد لهم لا يهتمون بهم، ولا يأبهون بالإجابة الشافية على أسئلتهم أو أسئلة ذويهم، ويظل هؤلاء الأطباء يتركون أو "يزوغون" من أعمالهم في أوقات العمل الرسمية لمباشرة عيادتهم الخاصة دون رقيب أو حسيب!
المبشر في هذا القانون– إن كان سينفذ بدقة وأمانة مع رقابة شديدة- أنه يحتم تفعيل "هيئة الاعتماد والجودة" لتكون هي الجهة المنوط بها منح الموافقات على دخول المستشفيات لمنظومة التأمين الصحي، ولن تكون تابعة لوزارة الصحة –وهذا شيء طيب جدا- بل ستكون تابعة لرئاسة الجمهورية بشكل مباشر، وتقدم تقاريرها للرئيس بشكل دوري كل 3 أشهر، وهذه الهيئة ستقوم بمنح الموافقات وفقا للاشتراطات العالمية لضمان جودة الخدمة الطبية، التي ترتبط برفع كفاءة الخدمة وتقديمها، وكفاءة الأطباء والأجهزة الطبية والتمريض، حتى لا يعيش المواطن المعاناة التي يعيشها حاليا، فالقانون أجبر كافة المستشفيات الحكومية على الدخول ضمن تلك المنظومة والحصول على شهادة الاعتماد والجودة خلال 3 سنوات لضمان وجود مستشفيات كافية لخدمة المواطنين في كل المحافظات.
ويحدد الفصل الثالث من قانون التأمين الصحي الجديد مهام واختصاصات الهيئة، فوفق المادة الثامنة والعشرين من هذا القانون نجد أن لهيئة الاعتماد والرقابة في سبيل تحقيق أهدافها، اتخاذ كافة الإجراءات والقرارات اللازمة لذلك ولها على الأخص ما يأتي: الإشراف والرقابة على جميع المنشآت الطبية وأعضاء المهن الطبية العاملين بقطاع تقديم الخدمات الطبية والصحية وفقا لأحكام هذا القانون، ووضع معايير الجودة للخدمات الصحية واعتماد تطبيقها على منشآت تقديم الرعاية الطبية، والاعتماد والتسجيل للمنشآت الطبية المستوفية لمعايير الجودة المشار إليها بالبند السابق للعمل بالنظام، وتكون مدة الاعتماد والتسجيل أربع سنوات قابلة للتجديد لمدد أخرى مماثلة بذات الشروط. وإجراء التفتيش الدوري على المنشآت المعتمدة والمسجلة للعمل في هذا النظام، وإيقاف أو إلغاء الاعتماد والتسجيل حال مخالفة المنشأة الطبية لأي من اشتراطات منح الاعتماد والتسجيل، والاعتماد والتسجيل لأعضاء المهن الطبية وفقا للتخصصات والمستويات المختلفة للعمل بالنظام، وإجراء التفتيش الدوري عليهم بالجهات المعتمدة والمسجلة للعمل في هذا النظام.
فضلا عن إلغاء أو إيقاف الاعتماد والتسجيل لأعضاء المهن الطبية للعمل بالنظام حال مخالفة أي من اشتراطات منح الاعتماد والتسجيل، وتوفير الوسائل وإصدار القواعد والنظم التي تضمن كفاءة النظام وشفافية الأنشطة التي تمارس فيه، والتنسيق والتعاون مع هيئات الرقابة الطبية في الخارج والجمعيات والمنظمات الدولية التي تجمعها أو تنظم عملها، والتنسيق مع المنشآت الطبية بما يكفل الوصول إلى منظومة متكاملة من المعايير وقواعد مقارنات التطوير وآليات قياس الأداء وفقا للمعايير الدولية، ودعم القدرات الذاتية للمنشآت الطبية للقيام بالتقييم الذاتي، وإعلام المجتمع بمستوى جودة الخدمات بالمنشآت الطبية، ويجوز لهيئة الاعتماد والرقابة القيام بأعمال التقييم والاعتماد للمنشآت الصحية العربية والأجنبية العاملة خارج جمهورية مصر العربية بناء على طلب هذه المنشآت.