رئيس التحرير
عصام كامل

ستأخذ أمريكا أسماءكم!


اليوم الخميس، وبعد فضيحة واشنطن في مجلس الأمن، هو يوم أخذ الأسماء، وكتابة عناوين ومقار الدول والحكومات المتمردة على البلطجة الأمريكية.. هو يوم إحصاء من مع أمريكا، ومن ضد أمريكا، من سيكرر إهانتها، ومن سيقف خلف قرارها بنقل السفارة، تطبيقًا لمفهومها الخاص بسيادة قراراتها بلا منازع دولي، إلى القدس فضلا عن الاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال!


اليوم الخميس، تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكي تصوت ١٩٣ دولة على مشروع القرار الذي صاغته مصر بأدب شديد وبذوق بالغ وبمراعاة لمشاعر حتى الخنزير!

لم يذكر مشروع القرار العربي -وضعته مصر بتكليف من الجامعة العربية- اسم أمريكا ولا رئيسها، بل ذكرت "نشعر ببالغ الأسف تجاه القرار الخاص بالقدس"، ومع ذلك أحست «نيكي هايلي»، المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن، أن هذه الواقعة تمثل إهانة لم تحدث أبدًا لبلادها، ومنازعة لقرارها السيادي باختيار المكان الذي تضع فيه سفارتها، بل من حق إسرائيل أن تكون لها عاصمة، وكم ظلمت إسرائيل في هذه المنظمة الدولية!

كانت هذه بكائية غاضبة من السيدة نيكي هيلي المدللة شخصيًا من ماكينة الشهوة والجشع والجموح دونالد ترامب، لم تلبث أن ختمتها بتهديد ووعيد، فقالت: "هذه إهانة ولن ننساها".. تعرف أمريكا أن مصر هي من قادت التحرك الدبلوماسي العربي والإسلامي والأوروبي، وحصلت على ١٤ صوتًا في عملية التصويت على مشروع القرار، بينما اعترضت أمريكا.. ولابد هنا من تفسير نقطة قانونية مهمة، وهي أنه وفقًا للمادة ٢٧ فقرة ٣ من ميثاق المنظمة الدولية، فإنه لا يجوز للدولة موضع التصويت في نزاع أو قضية أن تدلي بصوتها، بل يجب عليها أن تمتنع، ومع ذلك فقد أتيح لأمريكا أن تعترض، مستخدمة حقها في التصويت كدولة كبرى تأسيسًا على أن مصر لم تذكرها بالاسم في مشروع القرار.. بديهي أن العرب والعالم كله كان يفهم مسبقًا أنها ستلجأ إلى سلاح الفيتو، لتحمى كرامتها ومكانتها وقرارها وتحصنه.. ولقد حقق التصويت "الدوي الدولي المطلوب" وعزلت مصر السياسة الأمريكية، بمعاونة حتى حليفيها فرنسا وبريطانيا!

إذا كان هذا كله وقع يوم الاثنين في مجلس الأمن، فما بالك بموقعة الخميس، أي اليوم، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يعني أمام ممثلي السبعة مليارات من البشر، ٧٠% منهم ضحايا القوة العسكرية الغاشمة للولايات المتحدة!؟ ستصول الدول المتضررة والمنتهكة من التدخلات الأمريكية وسوف تجول، وستتعمق عزلة أمريكا وإسرائيل ومعهما بضع عربات من الصفيح السياسي الصدئ يطلق عليها اسم دول، هي باب خلفي للصرف السياسي الأمريكي!

لا يصدر بطبيعة الحال قرارات عن الجمعية العامة، فهي لا تملك هذا الحق الذي يحتكره مجلس الأمن، صاحب السلطة التنفيذية والعقابية، إنما ستصدر توصيات، وهذه لها وزن وثقل سياسي لا يمكن إنكار تأثيره! في كل الأحوال، ليس لعاقل أن يتخيل تراجع أمريكا عن قرارها، تحت أي ضغوط، بل إنها ستمضي إلى أبعد من ذلك، إذ أعلنت أنها ستأخذ أسماء من عاداها في الجمعية العامة!

أي أنها تعد الفلكة والعصا لمن عصى، وستمد الدول التي رفضت انتهاكها للقانون الدولي على "قدميها".. إذا كانت أمريكا لن تتراجع -والعرب والمسلمون والعالم يعرف أنها لن تتراجع- فما جدوى اكتساب معاداتها، وتحريك نوازع الشر فيها، وما الهدف أساسًا!؟

الإجابة باختصار: هي شهقة احتجاج فحسب قبل استقرار الرصاصة في العقل العربي!
الجريدة الرسمية