إلى حرامي المحمول «شكرا لحسن تعاونكم»!!
الحاج محمود "كان راجل طيب" نصحه أصدقاؤه تجار البطاطس بأن يستورد لهم عبوات (أجولة) وسوف يشترونها منه فيستفيد ويستفيدون، وبالفعل أنفق كل ما يملك في صفقة وصلت الميناء ولم تخرج منه إلا بعد انتهاء موسم البطاطس، الرجل اعتقد أن الدنيا سهلة ومن حقه أن يفعل ما يريد بأمواله، ولا يعلم أن لكل سلعة أصحابها حتى لو كانت (خيش)، عكس الدكتور أسامة، وكيل إحدى الشركات الأجنبية المنتجة للمعدات الثقيلة، الذي رفض توسيع نشاطه في مصر، رغم أن أسعاره أرخص من الوكلاء المنافسين، وقال عبارة شهيرة "البلد لها أصحاب وكويس أنهم تركوا لي قطعة صغيرة من التورتة"، تذكرت هاتين الواقعتين حينما قرأت خبر سرقة بطاريات مصنع التليفون المحمول الجديد، وحتى كتابة هذه السطور هناك أربع مديريات أمن تبحث عن الجناة والمسروقات..
الهدف من الجريمة ليس السرقة، لأن هذه البطاريات لن تُستخدم إلا في أجهزتها، وبالتالي لن يستفيد منها الجاني فالهدف هو تدمير مناخ الاستثمار في مصر وإفشال أي محاولة لنهضة صناعية وطنية، فمن يجرؤ على ارتكاب هذه الجريمة وهو يعلم أن هذا المشروع يلقى اهتمام رئيس الجمهورية شخصيًا؟ إنها المافيا التي أشار إليها كاتبنا الكبير محمد أمين في مقاله بجريدة "المصري اليوم"، هي ذات المافيا التي عطلت إنشاء 27 مدرسة جديدة هذا العام من مدارس النيل على مستوى الجمهورية، فكيف يتم افتتاح مدارس تقدم تعليما (دوليا) متميزًا وبأسعار زهيدة؟
مافيا الاستيراد التي تشكلت على مدى عشرات السنين الماضية ودمرت الصناعة الوطنية أصبحت مراكز قوى ومتغلغلة في معظم الأجهزة، أرباحها بالمليارات ولكنها لا تشبع، تسببت في غلق المصانع وتشريد العمال ولن ترضى بسهولة أن تتحول مصر من دولة مستهلكة إلى منتجة.
بالمناسبة صاحب مصنع المحاليل الطبية المغلق الذي كان ينتج 60% من احتياجاتنا ويُصدر للخارج عُرض عليه بيع مصنعه بسعر مُغرٍ جدًا وبالعملة الأجنبية وإيداع الأموال في حسابه خارج البلاد، مافيا الاستيراد أخطر على مصر من الإرهاب؛ لأنها تهدد أمنها واستقرارها وتقدمها وتسهم في انتشار الفقر والبطالة والمرض وغلاء المعيشة، وبالتالي استقطاب الجماعات الإرهابية للعاطلين.
الرقابة الإدارية أمس الأول ألقت القبض على محتكر البنسلين ولو فتحت ملف مافيا الاستيراد سوف تصطاد حيتانًا كبيرة، وتكتشف أنها وراء تدمير مصانع الأدوية والسيارات والقطارات والحديد والصلب والغزل والنسيج والصناعات الغذائية، وإفشال العروض الحالية لتصنيع القطارات في مصر من أجل الشراء الجاهز بالقروض والديون، وربما وراء سرقة بطاريات المحمول حتى لا يفكر أي مستثمر أجنبي في المجيء إلى مصر، بل هروب المستثمرين المحليين من البلد.
لو لدينا إعلام واعٍ كان أخفى الخبر، ولم يتسابق على نشره، فالمصلحة الوطنية أهم من السبق الإعلامي، فمثل هذه الأخبار حتى لو كانت تافهة فإن تأثيرها السلبي كبير جدًا فى سمعة مصر العالمية، خاصة في "الاستثمار والسياحة"، مافيا الاستيراد أبدًا لن تنتصر طالما أن هناك إرادة حقيقية للقضاء على الفساد والنهوض بالصناعة الوطنية، وتهيئة مناخ الاستثمار، وإن شاء الله سوف تنجح الأجهزة الرقابية في مهمتها الصعبة، وستحيا مصر بالعمل والإخلاص.
egypt1967@yahoo.com