رئيس التحرير
عصام كامل

حسام عبد الله يكتب: «لقاء السراب»

حسام عبد الله
حسام عبد الله

اصطدمت بها بين أغصان أشعة الشمس المتساقطة من السماء، لتكشف لي عن وجه بدري تعلوه خصلة شعر ذهبي، لأستيقظ من لقاء السحاب، فأنحني أمامها، حاملا بعض المتعلقات التي تبعثرت على درجات السلم الرخامية.


لم أستطع أن أتركها ترحل دون سماع صوتها؛ لأتأكد أنها حقيقة، وليست "تهيؤات"، سألتها "كويسة؟"، فغردت مقطوعة موسيقية عذبة: "أنا آسفة، مكنتش واخدة بالي"، فابتسمت وقلت لها: "ياريتك متخديش بالك على طول!"، فضحكت عن حبات من اللؤلؤ المنضد، لتعلو رائحة الياسمين في الكون، وتكثر نضارة الألوان وزهوها.

رحلت دون أن أعرف عنها شيئا سوى أنها بنت النور، وأنها اقتلعت قطعة من صدري وارتحلت بها بعيدا، لقد أخذت مني القلب والعقل، وصرت مسحورا، رحلت ولم تقل أين سنلتقي ثانية، تركتني مقتولا بعد أن كنت فارس المعارك، هزمتني بعد انتصارات خالدة في الذاكرة، إن سهامها مسمومة لا تخطئ.

قتلتني حقا، سلبت مني الفؤاد والروح، لم أتمكن من استعادتهما ثانية حتى الآن، افترشت الطرقات باحثا عن طيفها الغزلاني، وجبت البساتين آملا أن استنشق عطر جبينها، تصفحت الوجوه أملا في رصد مقلتيها، غير إن الكون لا يحمل إلا نسخة واحدة من الصورة المطبوعة في صدري، في عيني، نسخة من السماء، هل كانت سرابا؟!!

تبدلت الطعوم، شحبت الألوان، ذبلت الورود والأزهار، طمست النجوم، انكسرت أشعة الشمس الذهبية الدافئة قبل أن تصل إلى جسدي.
وفقدت الأمل، ومرت الأيام، وشاء القدر، أن يطلع القمر، وتقف أمام البصر، تلك الساحرة بنت النور، وأقبلت عليها كالمسحور، وخطفت منها اسمها "......."، يااااا الله، الحمد لك والشكر لك، سألتها: "أين كنتِ؟"، فصفعتني بإجابتها كالصاعقة: "أنا زميلتك في الشركة، منذ 3 سنوات، يا أستاذ...!!!!!!!"

وقفت بلا حراك، أيعقل هذا؟! أين كنت؟!

نعم، كانت أمامي طوال الوقت، كان القمر منيرا طوال الوقت، كانت الشمس مشرقة طوال الوقت، كانت الورود زاهرة طوال الوقت، فقط أنا كنت مغمض العينين، يعلوها السواد والغمام طوال الوقت، كنت أنظر بعينين فقط، لا ترى إلا القشور، لا ترى سوى الظاهر المتغير، لا ترى إلا ما يريده الناس أن تراه.

وما إن نضجت عيناي، وقويت لترى الأعماق والجوهر، إلا أن كشفت عن نفيس المعادن، فخرج اللؤلؤ والذهب والمرجان والياقوت، خرج الكنز، رأيت الجمال الذي لا تراه عيناك بعينيك، ولكن تراه عيناك بقلبك، لا تكتف بالنظر، عليك بالتأمل، لتكتشف الجمال الحقيقي حولك، فقد تحتاجه وتبحث عنه بكل طاقتك، وهو ماكث بين يديك، بين عينيك.

انظر بقلبك ولا تنظر بعينك.
الجريدة الرسمية