«نُص بيضحك والتاني زعلان».. كيف تابعت والدة «الأخوين الشوربجي» مواجهتهما في نهائي بطولة العالم
الأحد الماضي، كانت السيدة «بسمة حسن»، والدة نجمي الإسكواش محمد ومروان الشوربجي، على موعد مع القدر، قلبها انشطر نصفين، وهى تجلس تشاهد مواجهة نجليها في المباراة النهائية لبطولة العالم للإسكواش في مدينة مانشستر الإنجليزية، مباراة تكاد تكون الأصعب في مسيرتها في تنشئة أبطال اللعبة وملوك صالات الإسكواش، إذ تواجه الشقيقان في بطولة العالم للإسكواش من قبل 11 مرة في مسيرتهما الرياضية، لكن تلك المباراة كانت أول نهائي يخوضه محمد ومروان.
داخل أحد ملاعب الإسكواش بمدينة مانشستر الإنجليزية، قبل نحو 7 شهور من اليوم، كان الشقيقان محمد ومروان الشوربجي، على موعد في أحد اللقاءات المهمة في تاريخ اللعبة – بطولة العالم للإسكواش – سجلت المباراة في نهايتها مشهدا دراميا من الدرجة الأولى، فور أن حصد محمد الشوربجي النقطة النهائية لتأكيد فوزه على شقيقه، انهمر في البكاء وألقى رأسه في أحضان شقيقه وانهمرت الدموع على وجنتيه.
في اللحظة ذاتها كانت سيدة في العقد الخامس من عمرها، تتابع عبر شاشة جهاز «لاب توب» المباراة، تبكي وتضحك، ويجول في خاطرها العديد من التساؤلات، ويسري في وجدانها مشاعر متضاربة، كانت منقسمة نصفين «نص بيضحك والتاني زعلان».. تلك السيدة الخمسينية هي بسمة حسن والدة محمد ومروان الشوربجي.
قلب الأم في تلك اللحظة كان منقسمًا كانت لحظة صعبة الوصف، لحظة دخولهما ملعب الإسكواش، وتعلق عيون الجمهور الحاضر بكل خطوة يخطوها الاثنان وكل نفس يتنفسانه، قائلة: «شعرت أن تعب السنين الماضية لم يضع هدرًا، شعرت أن اليوم فقط كافأني الله عليه».
بينما كانت الجماهير تتوافد على المدرجات، والمقاعد تمتلئ عن آخرها، مدفوعين برغبة في مشاهدة أخوين يتنافسان على مقعد البطولة، اتخذت هي ركنا منزويا عن الهرج الذي ساد الملعب، مشاعر مختلطة وكثيرة تدافعت على رأسها، بدا انعكاسها على عينيها التي كادت تتغرغر بالدموع.
جلست على أحد مقاعد ملعب الإسكواش بمدينة مانشيستر بإنجلترا، تترقب أعين الجالسين تارة، وحركات فلذتي كبدها تارة أخرى، «كانت المباراة طوال مدتها، تسير على وتيرة حامية، كل نقطة تلعب كانت تحمل بالنسبة لي وجهين للخسارة والمكسب، لم أكن أعرف من سيفوز بتلك المباراة»، تتحدث والدة الأخوين الشوربجي عن اللحظات الأولى للمباراة التي خاضها ولداها.
هذه هي المرة الأولى التي تحضر فيها بسمة «مباراة» تجمع محمد ومروان، مثلها كسائر الأمهات لا تقوى على رؤية الحسرة على أعين أحد أبنائها، إلا أنه تلك المرة تمالكت نفسها وقررت أن تحضر لمشاهدة المباراة من داخل الملعب «عادة من القلق بقعد في الفندق وأتابع من خلال شاشة اللاب توب، لأني بقلق إني أحضر في الملعب».
تتابعت المشاهد على ذاكرتها بينما تشاهد المباراة، تتذكر بدايتهما في اللعبة «حينما كان محمد في الثالثة من عمره، بدأت الميول الرياضية تطغى على شخصيته، تعلق بالعديد من الألعاب الرياضية، والتحق بأحد الأندية، وبدأ مسيرته كلاعب جمباز».
أثناء اصطحاب والدته له داخل النادي شاهد ملعب الإسكواش الموجود داخل النادي، تعلقت عيناه به، فقرر أن يتعلمها ويتقنها جيدا، وبالفعل حصل على بطولة الجمهورية تحت سن 11 سنة، مرتين على التوالي «كان عنده 10 سنين وفاز على ناس أكبر منه».. تقول والدة محمد الشوربجي عن بداية تعلقه باللعبة.
لم يكن الابن الثاني، يختلف كثيرا عن شقيقه الأكبر، رأى فيه القدوة والمثل الأعلى «بين مروان ومحمد سنتين ونصف، محمد كان عنده 8 سنين ومروان خمسة ونصف، كان بيحضر معانا وأخوه بيتدرب، ويجري على أي مضرب ويلعب مع نفسه».
كسائر الأطفال، تطلع مروان أن يخوض غمار اللعبة وأن يسير على نهج أخيه «كان دايما بيص لأخوه ويقول أنا عايز مدرب زي محمد، وبالفعل تم التحاقه رسميا بالنادي»، تبحث والدة الشوربجي، عن نقاط النور دائمًا في شخصيتي ولديها، فهي أول من تتبع مهارة كل واحد على حدة، «محمد قوي جسمانيا ومروان عقليا، بالرغم من أن محمد فاز على مروان في ماتشات كثيرة، فإن مروان عنده مهارة عالية جدًا ودائمًا يستخدم عقله أثناء اللعب".
صوت الجمهور الذي ارتفع مع بداية المباراة سحب الأم من صندوق الذكريات وعادت لمتابعة المباراة من جديد «هذه المباراة تختلف عن سابقاتها، فهي مباراة عالمية ونقطة فاصلة في مسيرتيهما، خاصة نجلها الأكبر محمد، لا دعم يضاهي ما كانا يريدانه في عينيها من دعم كلما احتدم اللعب ومرت الدقائق متسارعة، وبات أحدهما على حافة البطولة، والآخر، سيكتفي باللحاق بركبه.
«الماتش كان مهم أكتر بالنسبة لمحمد، لأنه بيه هيكون خلاص حقق كل البطولات الخاصة باللعبة»، بالفعل فاز محمد على مروان، وكأن السماء كانت تكاشف ما تتمناه الأم، تدعو الله أن يفوز الاثنان، ولكن يظل فوز محمد هو الأمل المسيطر على نفسها.
بينما كانت المباراة التي استمرت 72 ساعة قائمة كانوا يسألونها من تشجعين؟! فتجيب "أشجع الاثنين بالتأكيد!"، "كنت قاعدة فخورة بيهم وبأدائهم، مشاعري اختلطت عليا مكنتش عارفة أحددها، فرحانة للكسبان وكمان للي خسر"، في كل مباراة يلتقي بها الإخوان كانت تحزن للخاسر وتفرح للفائز، لكن هذه المرة قررت أن تفرح حتى لمروان الذي حصد المركز الثاني، "بعد الماتش كنت فرحانة بالاتنين، فرحت لمحمد لأنه كان بيتمنى اللقب ده، ومن خلاله أخد كل حاجة من اللعبة، ومروان وكنت فخورة لأنه أول مرة يوصل نهائي محترفين وعالمي في دولة مثل إنجلترا، وثقلها في الإسكواش بعد مصر طبعا".
بحكم عمل والد الأخوين الشوربجي في إحدى دول الخليج مدة عشر سنوات، قبل عامين من الآن، كانت بسمة حسن الأب والأم معًا، "كنت بشتغل مهندسة مدني، لكن تركت الشغل علشان اتفرغ للأولاد"، حينما أتم محمد عامه الـ 15 التحق بمدرسة داخلية في إنجلترا، ولرغبة الأم في أن ينشأ الأخوين معًا في المدرسة ذاتها، الحقت مروان بأخيه في العام التالي، وقررت أن تترك مصر نهائيا وتظل بجوارهما في إنجلترا، "اتنقلت معاهم لأنه مكنش ينفع أتركهم، محمد كان 16، ومروان 13 ونص، أول سنة كانت صعبة عليهم، محمد اتعلم لوحده، لكن مروان كنت بساعده في الدراسة".
تمر السنوات ويلتحق بطلا مصر والعالم في الإسكواش بالجامعة، وينتقلان من خلالها إلى فريق المحترفين، بدأ محمد يقارع كبار لاعبي الإسكواش في العالم، يتفوق عليهم أحيانا ويسقط أحيان أخرى، سرعان ما لحق به مروان، كأنهما يحملان نفس المصير معًا، «دربهم مدرب مشهور احتضنهم واعتبره محمد أبوه الروحي».
بالرغم من مكوثهما في الخارج لفترات طويلة فإن عشقهما للوطن لم يخفت يومًا في كل مباراة خاضها الشقيقان، كان اسم مصر يتردد على لسان الأم، «يجب ألا تنسوا وطنكم الأم، أنتم بتمثلوها في العالم، بفضلكم وفضل أقرانكم، أصبحت مصر الأولى عالميا في الإسكواش».
تشعر الأم أن رسالتها في الحياة تمت وعلى خير ما يرام، نجحت في أن تصنع أسطورتين في عالم لعبة الإسكواش.