المشروع الاستعمارى الغربي.. والغباء العربي!
المشروع الاستعماري الغربي ضد الأمة العربية مشروع قديم ومعلن، وعلى الرغم من ذلك يتعامل معه العرب بغباء شديد، وكأنه ليس موجودا، وبعيدا عن الرجعية العربية والتي تعاونت مع المشروع الاستعماري الغربي، وأدت أدوارا وظيفية في خدمته، من أجل مساعدتها على البقاء في سدة الحكم، فإن باقى الدول العربية الخارجة عن محور الرجعية العربية سواء على مستوى الحكام أو الشعوب قد تعاملت مع المشروع بغباء شديد، وتجاهلت وجود هذا المشروع من الأصل، لذلك لم تسع لمحاولة إجهاضه، وهو ما أدى إلى نجاح المشروع في تحقيق أهدافه المعلنة على مدار ما يزيد على قرن من الزمان.
وبدأت معالم المشروع المعلنة في الظهور في مطلع القرن العشرين ،عندما ظهر التقرير النهائي لمؤتمرات الدول الاستعمارية الغربية الكبرى في عام 1907، والمعروف باسم تقرير "بازمان" وهو رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، والذي قرر أن منطقة شمال أفريقيا وشرق البحر الأبيض المتوسط هي الوريث المحتمل للحضارة الغربية الحديثة، لكن هذه المنطقة تتسم بالعداء للحضارة الغربية، لذلك يجب العمل على تقسيمها، وعدم نقل التكنولوجيا الحديثة إليها، وإثارة العداوة بين طوائفها، وزرع جسم غريب عنها يفصل بين شرق البحر الأبيض المتوسط والشمال الأفريقي، هذه هي الأهداف الكبري المعلنة للمشروع الاستعمارى الغربي ضد أمتنا العربية، فماذا فعل المشروع لتحقيق أهدافه؟ وماذا فعل العرب لإجهاض مشروع المؤامرة عليهم منذ ذلك التاريخ؟
وللإجابة على السؤال الأول يمكننا القول إن المشروع الاستعماري الغربي قد نجح في تحقيق أهدافه المعلنة بشكل تدريجى منذ ذلك التاريخ، فبالنسبة للهدف الأول المتعلق بعملية التقسيم، فقد نجح عبر اتفاقية "سايكس – بيكو" 1916، وهى اتفاقية سرية تمت بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية، بهدف تقسيم الأراضى العربية فيما بينهم، وبالفعل نجح الدبلوماسيان الإنجليزي مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو في التوصل لاتفاق، يتم بمقتضاه تقسيم الأراضى العربية في المنطقة الواقعة بين شرق البحر الأبيض المتوسط والشمال الأفريقي فيما بينهما كما جاء في التقرير النهائي لمؤتمرات الدول الاستعمارية الغربية الكبري في عام 1907.
وبالطبع لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية من بين القوى الاستعمارية الغربية الكبرى في ذلك الوقت، لذلك عندما تحولت لقوى استعمارية كبرى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وجدت أن عملية التقسيم عبر "سايكس – بيكو" ليست في صالحها، لذلك قررت أن يكون لها مشروع تقسيمى جديد، بدأت العمل على تحقيقه منذ نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن العشرين، وهو ما برز جليا وبوضوح وبشكل معلن في وثائق مشروع الشرق الأوسط الجديد ، الذي تحققت أجزاء كبيرة منه من خلال الربيع العبرى الذي شهدته المنطقة منذ العام 2011.
وبالنسبة للهدف الثانى للمشروع الاستعمارى الغربي والمتمثل في عدم نقل التكنولوجيا الحديثة لمجتمعاتنا العربية، فقد نجح المشروع قديما وحديثا في حرمان مجتمعاتنا العربية من التكنولوجيا الحديثة، بحيث تمكن من تحويلنا لمجتمعات مستهلكة للتكنولوجيا، وأصبحنا فقط مصدرا للمواد الخام التي يحصل عليها الغرب بأسعار رخيصة يحدد هو سعرها، ثم يتم تصنيعها وإعادتها لأسواقنا بالأسعار التي يحددها هو أيضا، فتحولنا لمجتمعات فقيرة ومتخلفة غير قادرة على إنتاج حتى طعامها.
وفيما يتعلق بالهدف الثالث للمشروع الاستعماري الغربي، والمتمثل في إثارة العداوة بين طوائفها فقد نجح المشروع قديما في ذلك لكنه لم يكن بالشكل الواضح الذي يتم تنفيذه الآن فعملية التقسيم والتفتيت على الأسس الطائفية والمذهبية والعرقية قد أصبحت معلنة خاصة في الدول التي تتميز تاريخيا بهذا التنوع الطائفي والمذهبي والعرقي، فالحرب في لبنان ثم العراق واليمن وأخيرا سورية، ترفع فيها الشعارات الطائفية بشكل فج، ولم تسلم مصر من محاولة ضرب وحدتها الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك إثارة النزعات القبلية في ليبيا.
أما الهدف الرابع للمشروع الاستعماري الغربي والمتمثل في زرع جسم غريب عنها يفصل بين شرق البحر الأبيض المتوسط والشمال الأفريقي، فقد نجح المشروع قديما وعبر وعد بلفور عام 1917 في منح اليهود إنشاء وطن قومى لهم في فلسطين، تحول إلى –دولة معلنة– عام 1948، ومنذ ذلك التاريخ والمشروع الاستعماري الغربي يدعم هذا الجسم الغريب ويقويه لدرجة أنه أصبح يمتلك ترسانة نووية لا تمتلكها أي دولة عربية، بل ويمتلك منظومة تسليح تتفوق على منظومات التسليح التي تمتلكها كل الجيوش العربية الكبيرة، وأخيرا جاء قرار اعتبار القدس عاصمة لهذا الجسم الغريب المزروع في منطقتنا ليؤكد أن المشروع الاستعماري الغربي لن يتوقف عن السعى لتحقيق أهدافه التي وضعت منذ ما يزيد عن قرن من الزمان.
وفيما يتعلق بالإجابة على السؤال الثانى ماذا فعل العرب لإجهاض أهداف المشروع الاستعماري الغربي؟ فالإجابة القاطعة تقول إننا فشلنا في المواجهة بل تعاملنا مع المشروع بغباء شديد، ونجح العدو الغربي قديما وحديثا في تجنيد الرجعية العربية لتكون أدوات وظيفية يتم بها تنفيذ أهدافه، ووقفت باقى المجتمعات متفرجة وكأنها غير معنية بالاستهداف، لكن رغم ذلك كان هناك دائما أمل في بعض القوى العربية الواعية لأبعاد المشروع الاستعماري الغربي وأهدافه التآمرية، والتي سعت دائما إلى مواجهة التقسيم بالوحدة، ومواجهة عدم وصول التكنولوجيا الحديثة بالاعتماد على النفس عبر مشروع تنموى مستقل، ومواجهة إثارة العداوة بين الطوائف بزيادة اللحمة بين المكونات الطائفية والمذهبية والعرقية، ومواجهة الجسم الغريب المزروع بالتصدى لهذا العدو الصهيونى والسعى لاقتلاعه، إنه مشروع المقاومة العربية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.