اللغة العربية.. جَمالُ «الضاد» وسره
"إِنَّ الَّـذي مَلَأَ اللّـغاتِ مَحـاسِناً.. جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضّادِ".. بهذا البيت عبر أحمد شوقي عن عبقرية وجمال لغة الضاد، إنها لغة عُرفت بتراثها العريق وسحر كلماتها ومعانيها وعذوبة ألفاظها.. إنها اللغة العربية التى وعت وحفظت تراثا إنسانيا عظيما قبل أن يكون موروثا عربيا لقد عاشت اللغة العربية أكثر من ألف وست مائة عام وهي تؤدي دورها واستطاعت أن تجري مع الحضارة وتلبي مطالبها فهي قادرة على الشيوع والنهوض بالأمانة الإنسانية وفي ظل ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم فهي شريكة الإسلام في سموه ومقامه وأحد العوامل الرئيسة في نشر الإسلام لذلك أكسبها هذا الارتباط نوعا من القداسة التي للقرآن..
لقد أصبح الحفاظ عليها حفاظا على القرآن الكريم ولقد استطاعت أن تحتفظ بفصاحتها ورونقها ووحدتها وكيانها على الرغم من اختلاطها بلغات أخرى.. هي أكثر اللغات تحدثًا ونطقًا ضمن اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم.. وهي اللغة الرسمية للبلدان العربية، وهي أيضًا لغة رسمية للكيان الصهيوني (إسرائيل) بجانب العبرية.. إنها اللغة العربية.
وفقت «العربية» صامدة على مر الزمن، رغم الأزمات والمحن والحروب التي مرت بها إلا أنها وقفت شامخة، ولم تنهزم ولم تمت.. ولعلنا نذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت اللغة العربية لغة عمل رسمية في الثامن عشر من ديسمبر ١٩٧٣، لتكون إحدى اللغات الست التي تعمل بها الأمم المتحدة، وهي الإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية العربية والإسبانية.
من هنا يتبين لنا عظمة هذه اللغة وشرفها وعلو مكانتها بين اللغات.. أما عن الذين تغنوا فتنوا بها فهم كثيرون، أدباء وشعراء، وسحروا بها وبجمالها وقوتها، وتغنوا بعشقهم لها وارتباطهم بها، ولم لا وهي لغة كتاب الله الذي أنزله على قلب نبيه محمد «صلى الله عليه وسلم».
تغنى بها أمير الشعراء أحمد شوقي بقوله: إنّ الّذي ملأ اللغات محاسنًا.. جعلَ الجمالَ وسرّه في الضّــاد، وفتن بها أيضا الشاعر النصراني جاك صبري شماس في قصيدته «أشرف اللغات لغة القرآن الكريم»: لغـة حبــاها الله حرفـًا خالدًا فتضوعت عبقًا على الأكوان.. وتلألأت بالضـاد تشمـخ عـزةً وتسيل شهدا في فم الأزمـان..
لقد شهد لهذه اللغة خصومها المنصفون وأقروا بعظمتها واتساعها وكثرة ألفاظها تعدد معانيها وإلى اتساع مجالها لأغراض الكتابة وفنون البلاغة من إطناب وإيجاز وتلميح وتشبيه واستعارة، لقد هرول الكثيرون من مشاهير الأدب العالمي إلى تعلم اللغة العربية بعدما استهواهم جمال العربية العربية والإسلامية.
ولقد شهد لها الكثير من المفكرين الغربيين وأبرزهم المفكر الألماني (فريناج): « إن اللغة العربية ليست أغنى لغات العالم فحسب بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العد وان اختلافنا عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق أقام بيننا ونحن الغرباء عن العربية وبين ما ألفوه حجابًا لا يتبين ما وراءه إلا بصعوبة»، وقال ريتشارد موبتهيل: «ألا يعقل تحل اللغة الفرنسية أو الإنجليزية محل اللغة العربية وإن شعبا له آداب غنية متنوعة كالأدب العربية ولغة مرنة ذات مادة كادت لا تفنى»، ويقول المستشرق الفرنسي (أرنست رينان) في كتابه «تاريخ اللغات السامية»: إن اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال وإن هذا عنده من أغرب ما وقع في تاريخ البشر وصعب حله وقد انتشرت سلسة أي سلاسة غنية أي غنى كاملة لم يدخل عليها منذ العهد إلى يومنا هذا أي تعديل مهم فليس لها طفولة ولا شيخوخة هناك العشرات من المفكرين الغربيين والباحثين المستشرقين الذي شهدوا بعظمة اللغة العربية وقوتها ومجدها ولكن يكفي من القلادة ما يحيط بالعنق.
ولعل من العجب العجاب أن الأوروبيين يأتون من بلادهم ليتعلموا هذه اللغة وأهلها غارقين في سبات عميق.. وعندما تنظر حولك لا تجد إلا الإنجليزية أو الفرنسية وقد غزت بلدنا العربي، وصارت اللغة العربية منبوذة بين أهلها.. «رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي.. وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي.. رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي.. وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي.. رِجالًا وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي.. وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظًا وغاية ً.. وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ.. أنا البحر في أحشائه الدر كأمن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي» هكذا رثاها حافظ إبراهيم..
#اليوم_العالمي_للغة_العربية