الصداقة والحب والعشق بين الدول!!
كتب زملاء لنا في صحفهم عن الصداقة بين روسيا ومصر، ودورها في عقد صفقة مشروع القرن النووي بالضبعة، وكأن روسيا إنما جاءت إلينا تحت ضغط الحب والود والعشق، وكأن مصر اختارت روسيا حبا في سواد عيونها، بل إن بعضهم كتب من قبل عن "الكيميا بين السيسي وترامب"، عندما كان ترامب مرشحا لرئاسة أمريكا.. ليس هكذا نتناول العلاقات المصرية مع دول أخرى.
المصالح هي التي دفعت روسيا للضغط على مصر في ملف السياحة.. "إذا أردتم سياحة روسية فالضبعة هي الطريق إلى ذلك"، أما قصة سواد العيون والحب المتبادل والعشق والغرام، إنما هي علاقات بين البشر.. روسيا لديها مصالح في مصر، ولمصر مصالح في روسيا.. والسياسي المحنك هو الذي يسعى وراء مصالح بلاده أينما كانت.. في السياسة ليست هناك "عداوة" دائمة ولا صداقة دائمة.. في السياسة مصالح تتغير بتغير الظروف والمناخ والعلاقات الدولية والأحداث.
لقد صور لنا البعض أن عودة روسيا إنما هي عودة للصديق القوى.. فعندما وجد السادات أن الروس غير جادين في تسليح الجيش المصري بسلاح ينتصر، اتجه إلى دول أخرى، وعندما أدرك أن تنوع السلاح هو الحل ابتنى علاقات مع دول أخرى كانت بعيدة عنا؛ إيمانا منه بأن مصلحة الوطن أعلى قيمة من فكرة الحب الساخن التي يتحدث بها بعض كتابنا.
في إطار التوازن أدرك السيسي أن تركيز مبارك في سياسته الخارجية على دول بعينها، وتجنب دول أخرى، أثر بالسلب على مصالح مصر، لذلك قام بجولات إلى عمق أفريقيا التي خرجت منها مصر بعد حادث أديس أبابا على يد مبارك، وأيقن السيسي أن هناك قوى دولية أخرى لها دورها الكبير في إدارة العالم، فتوجه إلى الصين وعمّق علاقاته بأوروبا ولم يتجاهل دول الجوار من قبرص إلى اليونان.
ولأن ليبيا عمق إستراتيجي لأمننا القومي، ولأنها دولة عربية جريحة؛ تحرك إلى الداخل الليبي وتبنّى الحل السياسي.. على نفس المنوال كان تحرك مصر في الملف الفلسطيني والقضية السورية وبناء علاقات جديدة مع الشركاء في العراق الجديد... هكذا تدار الأمور.
أما قصة الحب الملتهب التي يتحدث عنها البعض، فتعد تناولا ساذجا، لم تعد تقبل بها الجماهير خاصة أن الشعب المصري صاحب خبرة، وكما يقولون في المأثور الشعبي "ياما دقت ع الراس طبول"، وقد عشنا سنوات الحب الروسي ودفعنا ثمنها كثيرا، وعشنا سنوات العشق الأمريكي ودفعنا ثمنها باهظا، وعشنا عصر العروبة الملتهب ودفعنا ثمن ذلك كثيرا.
دول عربية ضغطت علينا في "عز" أزمتنا الاقتصادية، للحصول على مكاسب، وأخرى أرادت دفعنا لتبني مواقفها كشرط للوقوف معنا، وفي كل هذه الأمور كان بعض السذج لدينا يتغنون بالعروبة والشهامة العربية.. في أوج الضغط العربي على مصر في محنتها، كانت ذات العواصم تتحدث عن دور القاهرة المدافع عن أمتها.. كانوا يتحدثون عن ذلك علنا ويضغطون في الغرف المغلقة لدرجة أن حاكما عربيا رفض النزول من طائرته بمطار القاهرة قبل أن يسمع أنباء بعينها في إذاعات مصر!!