الذراع الطويلة للرقابة الإدارية.. القصة شبه الكاملة!
هذه الهيئة الموقرة التي أسست عام 1964 بالقرار رقم 54 للزعيم جمال عبد الناصر، في ظل تمدد كبير وتوسع غير مسبوق في القطاع العام بمصانعه الثقيلة وشركاته العملاقة بما تطلب إطلاق كيان رقابي يتميز عن النيابة الإدارية ويتميز عن الجهاز المركزي للمحاسبات التي تعد تقاريره قانونًا استشارية إرشادية..
انطلقت هيئة الرقابة الإدارية تحمي أموال الشعب وممتلكاته لتكبر وتنمو ويبقى الأصل في الموظف العام هو الشرف والنزاهة والاستثناء هو الانحراف والفساد وخاض رجالها بعد الانفتاح والتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي جرت قبل منتصف السبعينيات معارك كبيرة وبطولية بعد أن تكاثر الحيتان وتطلعت العيون الخارجية بمساعدة رجالها في الداخل إلى الإحلال محل الدولة وكان أمامها خيار واحد من اثنين إما نقل ملكية الدولة والشعب إليهم أو إفسادها وتدميرها ليشتروها أو يؤسسوا غيرها.. وأمام عملية التخريب المنظم والنهب المتعمد لشركات ومصانع الدولة كان على الرقابة أن تخوض حربًا شرسة وقاسية إيمانًا منها بدورها وواجبها الذي أقسم أبطالها على القيام به.. فلم يكن أمام السلطة حلا إلا إلغاءها كلها.. وأغلقت بالضبة والمفتاح بقرار من الرئيس السادات برقم 337 في 10 يوليو 1980!
كان على النظام الجديد بعد عام 1981 مع الرئيس مبارك أن يتعلم الدرس ويبدأ صفحة جديدة مع المصريين وكان الطريق لذلك فتح ملفات فساد، تداول المصريون تفاصيلها وتسربت روائحها العفنة إلى كل فئات الشعب فتم فتح قضايا كبيرة لمفسدين كبار منهم من هرب إلى الخارج ومنهم من دخل السجن ومنهم من أحسن ترتيب أوراقه فحصل على البراءة والكل يعرف تاريخه الإجرامي "المجيد"!
ورغم البداية بالحرب على الفساد كعربون للتقرب إلى الناس -وقد صار ذلك نموذجًا انتقل إلى بلدان أخرى- فإن الجميع أدرك أن للرقابة الإدارية سقفًا لا تقفز فوقه وحدودًا لا تتجاوزها وصار من الواجب أن تقدم الدولة كل فترة ما يثبت حربها على الفساد لكن كان آخرها رئيسا لشركة أو وكيلا لوزارة أو مديرا عاما، أما الوزراء والمحافظون فلا يقترب منهم أحد إلا إن أغضب أحدًا من الكبار أو كان لصراع بين مجموعات متصارعة في قمة السلطة والقصص يعرفها الكثيرون!
اليوم ومنذ تولي الرئيس السيسي المسئولية وقد تحولت صورة الستينيات فصار الفساد أصلا والشرف استثناءً فكان الحل أن يطلق يدها كاملة وبلا أي سقف حتى رأينا وفي سنوات قليلة وزراء ومستشاري وزراء وقضاة ورؤساء أحياء كبيرة ومسئولين بأجهزة نافذة كالجهاز المركزي للمحاسبات نفسه وأيضًا رجال أعمال كبار يملكون القدرة على الفعل السلبي ضد السلطة.. ومع ذلك لم يلتفت أحد إلى أي نفوذ يملكونه!
الرقابة الإدارية التي استطال دورها ليحمي الشعب -إلى حد تنظيم الحصول على علاج فيروس سي لمنع الوساطة- وقد أنهت أمس أزمة اختفاء البنسلين والتي كانت لغزًا كبيرًا يستحق رجالها الدعم والمساندة كما يستحقون التحية وذراعها الآن تطول كل فاسد وقد صاروا وبحق وكما وصفناهم سابقًا "أمل الشعب وسيف الرئيس"!