رئيس التحرير
عصام كامل

علاقات تاريخية بين القاهرة وروما.. أزمة ريجيني سحابة سوداء في تعاون البلدين.. يتفقان على دعم جهود بناء الدولة الليبية.. ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية أبرز القضايا المشتركة

فيتو

عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الأحد، جلسة مباحثات بمقر رئاسة الجمهورية في مصر الجديدة مع وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي.


العلاقات الثنائية
وتناول اللقاء بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتبادل الرؤى ووجهات النظر تجاه القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، حيث أكد الرئيس الحرص على تعزيز التعاون بين مصر وإيطاليا على مستوى مختلف الأصعدة، وتحقيق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين الصديقين.

شعوب البحر
تمتد جذور العلاقات بين مصر وإيطاليا امتدادا للفترات التي تُعرف تاريخيًا بـ "شعوب البحر"، وهي الشعوب التي يلعب البحر الدور الرئيسي في كل شئون حياتها، وقد بدأت العلاقات بين البلدين ثم تطورت مع دخول مصر نطاق الدولة الرومانية، وكما يشير الكاتب الشهير "ول ديورانت" في كتابه الأشهر "قصة الحضارة" أن روما لم تكن ترى مصر ولاية تابعة لها؛ بل كانت تعد ها من أملاك الإمبراطورية نفسها.

الإمبراطورية الرومانية
وبقيت مصر جزءًا من الإمبراطورية الرومانية حتى الفتح الإسلامي سنة 20 هجرية، وعلى الرغم من الحروب المستمرة بين الدولة الرومانية والمسلمين فإن النشاطات التجارية لم تتوقف بين مصر والرومان، حتى أن الدينار الروماني ظل معمولًا به حتى بدأ المسلمون صك العملة الخاصة بهم في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان الذي أمر بصناعة العملة الذهبية عام 74 هجرية، وامتازت تلك العلاقات بالقوة والمتانة والصلابة حتى في أحلك الظروف التي مرت بها البلدين.

تاريخ العلاقات
وفي العصر الحديث ظهرت الصلات العميقة بين إيطاليا ومصر في عدة مجالات؛ منها الحضور المميز والكثيف للجالية الإيطالية في مدينتي الإسكندرية والقاهرة في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ومنها أيضًا الحركة النشطة للاستشراق الإيطالي، وهي حركة امتدت لقرون طويلة ما زالت مستمرة حتى اليوم، وخلال النصف الثاني من القرن العشرين ضعفت الصلات بين البلدين لأسباب سياسية في جوهرها حتى جاء المشروع العالمي لإحياء مكتبة الإسكندرية والذي حصل على دعم إيطالي كبير، ولم يقتصر هذا الدعم على المستوى الحكومي فقط؛ بل امتد للمؤسسات الإيطالية والأفراد، كما يمتد التعاون بين إيطاليا ومكتبة الإسكندرية إلى وجود لجان تعمل في مجال الاستكشافات في جزيرة نيلسون الإيطالية، وكل ذلك يُعد مؤشرات دالة على مستقبل طيب للعلاقات الوثيقة بين البلدين.

الجالية الإيطالية
ويوجد حاليًا اهتمامًا بالجالية الإيطالية الموجودة في الإسكندرية وأماكنهم الخاصة مثل الملجأ الإيطالي، وكذلك معهد دون بوسكو الذي يقوم بتجهيز العمالة على أحدث المستويات الأوروبية لسد حاجة سوق العمل المصرى.

هذا بالإضافة إلى التواجد الإيطالى المستمر متمثلًا في الكثير من الشركات الكبرى في برج العرب وشركات اكتشاف البترول، بالإضافة إلى بعض العلماء الذين يشاركون المصريين في إنتاج وتصنيع مركز للطاقة الشمسية في برج العرب، وقد ترجع أسباب خصوصية العلاقة بين مصر وإيطاليا إلى أنهما يقعان في إقليم البحر المتوسط؛ يواجهان نفس التحديات، مما تطل بالسعي من الجانبين لتبني رؤى متقاربة إزاء العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، كما ساعد موقع البلدين على رواج حركة التبادل التجاري بينهما واكتساب الطرفان، مكانة مميزة في الشراكات الاقتصادية فيما بينهما.

العلاقات السياسية
بدأت العلاقات الدبلوماسية المصرية الإيطالية في عام 1914، وتوقفت هذه العلاقات خلال الفترة من 1940 حتى 1945، وهي تقريبًا الفترة التي استغرقتها الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب أصبحت العلاقات جيدة، وأصبح كل من مصر وإيطاليا أعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط.

وشهدت العلاقات السياسية والزيارات الرسمية بين مصر وإيطاليا تطورًا كبيرًا بعد ثورة 30 يونيو وكانت الحكومة الإيطالية تدعم خارطة الطريق التي نفذتها مصر بعد 30 يونيو.

ريجيني
وتعثرت تلك العلاقات التاريخية وواجهت أكبر اختبار لقوتها إثر مقتل الطالب خوليو ريجيني، وهو طالب دكتوراه في جامعة كمبريدج البريطانية، كان يجري بحثًا عن الحركات العمالية في مصر، واختفى بشكل غامض في 25 يناير 2016، وعثرت الشرطة المصرية على جثته في الثالث من فبراير من نفس العام ملقاة على الطريق عند مدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة، وبها آثار تعذيب.

توتر العلاقات
وتسبب هذا الحادث في توتر بين إيطاليا ومصر، حيث قررت الأولى استدعاء سفيرها بالقاهرة للتشاور، وقطع التعاون القضائي بشأن قضية ريجينّى قبل استنئافه، إلى جانب قرار مجلس الشيوخ الإيطالي وقف تزويد القاهرة بقطع غيار لطائرات حربية.

وأعادت إيطاليا سفيرها لدى القاهرة، بعد أن أثبتت الأيام والأحداث صواب الموقف المصري بضرورة عدم الربط بين التحقيقات في حادث مقتل ريجينى وبين العلاقات التاريخية بين مصر وإيطاليا.

عودة السفير
وجاء قرار عودة السفير ليؤكد صحة المساعي الدبلوماسية المصرية التي قامت بجهود حثيثة لوضع القضية في مسارها الصحيح، ولكن لأن إيطاليا تعلم جيدًا مكانة مصر في المنطقة والأدوار المهمة التي تقوم بها في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، ونظرًا لعمق العلاقات التي تربط بين الدولتين والتي تشهد تطورًا كبيرًا خاصةً في الجانب الاقتصادي، كان من الطبيعي أن تعيد روما سفيرها إلى القاهرة.

وقدم السفير هشام بدر أوراق اعتماده للرئيس الإيطالي سيرجيو ماتريلا، ليتسلم مهام عمله سفيرًا لدى روما، بعد ما يقرب من أسبوع على عودة السفير الإيطالي جيامباولو كانتين.

وجاء قرار إيطاليا تعيين سفير جديد لها بالقاهرة، بعد أيام من اختفاء مواطن مصري في مدينة ميلانو الإيطالية، ومقتل آخر على أيدي سائح إيطالي في مدينة مرسي علم المصرية على ساحل البحر الأحمر، وهو ما يستدعي تكثيف التعاون بين البلدين.

مجالات التعاون
وتشمل مجالات التعاون السياسي وتوافق الرؤي ما يلي:

1- مكافحة الإرهاب والتطرف:
تدعم الحكومة الإيطالية مصر في حربها ضد الإرهاب، وترى أن مصر تخوض حربًا ضد الإرهاب ليس فقط للدفاع عن نفسها بل دفاعًا عن أوروبا بإكمالها.

ويوجد تقارب كبير في التوجهات بين القاهرة وروما في القضايا المتصلة بأمن البحر المتوسط، ومكافحة الإرهاب والتطرف، فضلًا عن تحديد السياسات التي يتعين اتخاذها من أجل مواجهة تصاعد التيارات الأصولية المتطرفة، سواء في منطقة القرن الأفريقي أو شمال أفريقيا، وانعكاساتها على أمن البحر المتوسط.

2- الملف الليبي:
يُعد الموقف بشأن الوضع في ليبيا على درجة عالية من التوافق حيث إن الدولتين تتأثران بما يجري في ليبيا وتعملان على دعم جهود بناء الدولة الليبية ومنع سقوطها بيد الإرهابيين.

3- الهجرة غير الشرعية:
تُقدر الدولة الإيطالية جهود الدولة المصرية في مكافحة الهجرة غير الشرعية ونجاح السلطات المصرية في وقف تدفقات الهجرة من سواحلها، خصوصًا وأن هذه القضية تمثل هاجسًا كبيرًا لدول أوروبا، وترى ضرورة التنسيق مع الجانب المصري في هذا الملف.
الجريدة الرسمية