رئيس التحرير
عصام كامل

3846 مرضا وراثيا تهدد حياة المصريين.. 10% يحملون «الثلاسيميا» و«أنيميا البحر المتوسط».. منى عبد الرازق: ليس من حق الطبيب أن يجبر الأم على إجهاض الجنين المصاب.. ودور طبيب الوراثة تق

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

هناك ما يقرب من 3846 مرضا وراثيا تهدد ملايين المصريين، بل جميع البشر، تلك الأمراض تم تشخيص جيناتها، وهناك آلاف الأمراض التي تظهر يوميا لم يشخصها العلم، عدد من الحالات المرضية أصيبت بأمراض وراثية، نتج عنها وفيات أبنائهم، على الرغم من إجراء تحاليل وراثية أثناء فترة الحمل، وأكد خلالها الأطباء أن التحاليل سليمة، إلا أنهم بعد الولادة فوجئوا بوجود المرض الوراثي؛ مما أدى إلى اتهام الأهل للطبيب، بأنه لم ينجح في التشخيص.


التكاليف
ومع ارتفاع تكاليف التحاليل الخاصة بالأمراض الوراثية، والتي تصل إلى آلاف الجنيهات، فإن الأسر تمتنع عن إجرائها، كما أنها متوافرة فقط في وحدات الوراثة بالمستشفيات الجامعية من خلال ميزانية ضعيفة، ومن خلال التبرعات غير المنتظمة، ومنها أبو الريش والدمرداش والمركز القومى للبحوث هي الأكثر شهرة، ويتردد عليها حالات الأمراض الوراثية، منها ما له علاج ومنها ما لم يكتشف له علاج، والوفاة هي مصير هؤلاء المصابين.

«فيتو» التقت عددا من الحالات التي تعرضت لأمراض وراثية، أصيبوا بها فجأة دون مقدمات..

متلازمة داون
هشام عبدالرحمن، مهندس من محافظة الإسكندرية، لديه ابن “يوسف” يبلغ من العمر 6 سنوات، اكتشف إصابته بمتلازمة “داون” الوراثية عند الولادة مباشرة، وقال لـ”فيتو”: إنهم قبل الولادة لم يستطيعوا اكتشاف أو التنبؤ بالمرض، كما أنه لم تكن هناك أي سابقة إصابة لأى من أبنائه؛ حيث أنجب قبل يوسف طفلين بصحة جيدة، مشيرا إلى أنهم أصيبوا بحالة نفسية صعبة للغاية، فضلا عن أن الطفل عند ولادته كانت لديه ساق بدون قدم، وساق أخرى بدون الركبة وبقية القدم، فضلا عن الضعف في العضلات والجهاز الهضمى وضعف في البلع وعدم تماثل في الجهة اليمين واليسار.

وروى والد الطفل أن مشوار العلاج كان طويلا للغاية منذ 6 سنوات، وهم دائما عند الأطباء والحجز بين المستشفيات، وبدأوا المتابعة مع أساتذة تشوهات العظام، إلا أن أغلب الأطباء كانوا يخافون من حالة الطفل إلى أن انتهى به المطاف في المركز القومى للبحوث بوحدة الوراثة، خاصة أنه مر عليهم مئات الحالات، ويستطيعون التعامل معها.

وأضاف والد الطفل أنهم إلى الآن لم يعلموا سبب حدوث ذلك إلا أنه نتيجة طفرة جينية تحدث لكل طفل بين ملايين الأطفال، خاصة مع إنجاب طفلين من قبل وإجراء تحاليل للأب والأم وخروجها سليمة، مشيرا إلى أن مشوار العلاج مكلف ماديا ومعنويا، وتم تركيب أجهزة تعويضية للطفل، ويتم تطويرها كل 3 شهور، وتغيير الجهاز كل عامين مع النمو.

تقوس في القدم
مريضة أخرى كانت أسرتها داخل وحدة وراثة المركز القومى للبحوث.. تبلغ من العمر 42 عاما، تعرضت لطفرة جينية لم يتم تحديد سببها عند عمر 11 سنة، أدت إلى تقوس في القدم بعد أن كانت سليمة، ثم أجرت عملية لتعديل التقوس، ثم عاد عدة مرات، إلى أن جاءت إلى وحدة الوراثة، للبحث عن علاج، وهى إلى الآن لم تكتشف السبب، وظلت 30 سنة في تلك المعاناة إلى أن يئست.. وأهلها يؤكدون أنها حالة نادرة لم تظهر من قبل، وهى تعيش حياة صعبة من حيث الحركة والسير، فضلا عن أن مشوار العلاج مكلف، وتعيش بمفردها مع أمها ويبحثان عمن يخدمهما.

والد طفلة أخرى تدعى “ياسمين”، توفيت نتيجة الإصابة بمرض وراثى بسبب زواج الأقارب، فهم ثلاثة إخوة تزوجوا ثلاث أخوات، أكرمهم الله بإنجاب طفلة “شيماء”، أصيبت بمرض بعد الكشف تبين أنه مرض وراثي، خاصة أن أخت الأب أيضا أصيب طفلها بمرض التوحد وضمور في المخ، وعندما ذهب الوالد بالطفلة إلى الأطباء أكدوا له ضرورة إجراء تحاليل وراثية عند الحمل مرة ثانية، وعندما حملت الأم أجروا تحاليلا، قال لهم الطبيب إنها سليمة، إلا أنه عندما ولدت “ياسمين” ثبت أنها تحمل مرضا وراثيا “تاي ساكس” ليس له علاج.

مشيرا إلى أنه تقدم بشكوى إلى نقابة الأطباء ضد الطبيبة التي قامت بالتشخيص الخطأ، خاصة أنه في حالة اكتشاف المرض أثناء الحمل كان يمكن له أن يجهض قبل اكتمال الحمل. من جانبها، قالت الدكتورة سامية التمتامي، رائدة علم الوراثة البشرية بمصر والشرق الأوسط، ورئيس الجمعية القومية لأمراض الوراثة، إن هناك 3846 مرضا وراثيا تم التعرف على جيناتها، بخلاف آلاف الأمراض التي لم تشخص حتى الآن، مشيرة إلى أن نسبة التخلف العقلى من الأمراض الوراثية مرتفعة وتصل في بعض المحافظات إلى 4% من المواطنين، ناتجة عن زواج الأقارب، مشيرة إلى وجود أمراض شائعة بين حديثى الولادة، منها عدم التحام القناة العصبية؛ مما يؤثر على المخ والنخاع الشوكي.

ولفتت إلى أن عيادات الوراثة تستقبل بالأكثر الأمراض العصبية، ثم تشوهات العظام والأطراف، تليها في المرتبة الثالثة أمراض الدم، حيث يوجد 10% من أفراد الشعب حاملين لمرض الثلاسيميا وأنيميا البحر المتوسط، مشيرة إلى أنه وفقا للأبحاث العلمية يوجد 3 في الألف من المواليد مصابين بالأمراض الوراثية، ويوجد 2.5 مليون مولود سنويا لذا أعداد المصابين مهولة وتمثل عبئا اقتصاديا؛ لأن أكثرها أمراض مزمنة، ومنها أمراض لا تعالج، لذلك يجب التركيز على الوقاية من تلك الأمراض بالفحص والاستشارات الوراثية قبل وأثناء الحمل.

10 ملايين جنيه

وكشفت الدكتورة سامية التمتامى عن منحة حصل عليها مركز التميز العلمى للأمراض الوراثية التابع للمركز القومى للبحوث لمحاربة الأمراض الوراثية بقيمة 10 ملايين جنيه، لتوفير أحدث الأجهزة للكشف عنها، والتشخيص الدقيق لها، خاصة أنه في حالة اكتشاف أمراض أثناء الحمل يمكن علاجها، وإجراء جراحات للأجنة في الجامعات، ويمنع تشوهات الأطفال، لافتة إلى أنه مباح إجهاض الجنين قبل أن يمر عليه 120 يوما من بداية تكوينه، لذا يجب الفحص والتشخيص الدقيق للحامل.

وأكدت أن السبب الرئيسى في إبلاغ الأهل بأن الجنين سليم، ولا يوجد أي مرض وراثي، ثم يكتشف فجأة أنه حامل للمرض هو أن التحاليل التي أجريت غير مضبوطة، ولا تبين المرض، وتحتاج إلى متخصص في الوراثة البشرية، فضلا عن وجود أمراض وتشوهات لا يوجد تحليل لتوضيحها.

وقالت د. سامية التمتامي: إن أعداد الأمراض الوراثية تقدر بالآلاف، لأسباب متعددة منها زواج الأقارب، وارتفاع سن الأب، واختلال الكروموسومات لدى الأم، لافتة إلى أن أهم المشكلات التي تواجه تلك الأمراض ندرتها وارتفاع تكاليف التحاليل والعلاج التي تقدر بالملايين أحيانا، ولا يقدر عليها إلا الدولة، حيث يوجد مرض للفرد الواحد تبلغ تكلفة علاجه مليون جنيه سنويا على الأقل.

أوضحت الدكتورة منى عبدالرازق، مدير وحدة الوراثة بالمركز القومى للبحوث، أن الأمراض الوراثية مقسمة إلى أجزاء مختلفة منها ما يظهر لدى الإنسان أو يكون حاملا للمرض، وأسبابها مختلفة،ترجع لعيب في الكروموسومات بالجسم، أو أمراض متلازمة ناتجة عن إصابة عدة أعراض لجسم الإنسان.

وأشارت إلى أن المركز القومى للبحوث من أكبر المراكز التي تستقبل كل الأمراض الوراثية ويلجأ إليها المرضى بعد الذهاب لكل الأطباء في كل التخصصات والعجز عن التشخيص والعلاج.

وشددت على ضرورة إجراء تحاليل أثناء متابعة الحمل وإجراء عدة تحاليل في تواريخ محددة من خلال طبيب الأمراض الوراثية والنساء، مؤكدة أنه ليس من حق الطبيب أن يجبر الأم على الإجهاض في حالة اكتشاف وجود مرض وراثى للجنسين، لافتة إلى أن الطبيب يقدم المشورة للأم وهى عليها الاختيار؛ إما أن تكمل الحمل أو تجهضه والقرار للأهل.

نسبة الإصابة
وأشارت الدكتورة منى عبدالرازق إلى أن الأكثر الأمراض الوراثية انتشارا هي الجهاز العصبي، ثم الجهاز الهضمي، وأمراض الجهاز البولى والتناسلى الوراثية التي تصيب وفقا للأبحاث 1 لكل 3 آلاف طفل، جميعها تحدث نتيجة طفرات وراثية، وتوجد تحاليل طفرات وراثية للأم والأب والأجنة.

وأشارت د. منى عبدالرازق إلى أنه يوجد من 2 إلى 5% من أعداد المواليد معرضين للإصابة بأمراض وراثية بجميع أنواعها، وفقا لدراسات أجريت داخل المركز القومى للبحوث، مشددة على ضرورة المتابعة مع طبيب أمراض وراثية لكل الأمهات فوق عمر 35 سنة، فضلا عن استشارة وراثية لكل المقبلين على الزواج، خاصة من الأقارب، وبالأخص إذا كان يوجد في العائلة أي مرض وراثي.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية