القدس في ذاكرة التاريخ (1)
القدس أول من ملكها على الأرض هو ملكي صادق، وهو أول من وضع اسم مدينة السلام أورشليم.. أول سكان مدينة أورشليم هم الكنعانيون من 3000 ق.م الذين أتوا من سواحل الخليج العربي الأفريقي، وبدأ الشعب الكنعاني في التواجد في هذه الأراضى المقدسة بعد هجرتهم إلى منطقة الشرق الأوسط عبر مصر شمال شبه الجزيرة العربية، واستقر على الضفة الغربية لنهر الأردن في المنطقة الجبلية من أورشليم، وجزء منهم استقر أيضًا في جنوب سوريا وسميت الأرض من النهر إلى البحر وسيطروا عليها بالكامل حتى عرفت كل الأراضي التي مكث فيها الكنعانيون بأرض كنعان أو بلاد كنعان، ثم غزت إليها قبيلة مهاجرة جديدة من الكنعانيين أيضًا وتسمى (قبيلة فلستين) بزعامة فلسطين بن كاسخولين بن كنعان بن سام بن نوح في 2500 ق.م، ومن هنا سميت فلسطين وأنشأوا مدنا كثيرة وهم قاطنو مدينة أورشليم، ومن أهمها مدينة غزة ويافا وأشدون وعسقلان وعاشوا فيها قرونا حتى عام 1250ق.م. وكانت مدن كنعان أحد أهم المناطق الحضارية على مستوى العالم، وكان بها أربع لغات حتى الفتح الإسلامي (الكنعانية والعبرية والآرامية والعربية).
وأول من سيطر على مدينة أورشليم معلمنا داود النبى العظيم عام 970 ق.م، وهو الذي رسم مكانًا لبناء الهيكل إلا أن ابنه سليمان الحكيم هو الذي بناه، وصارت مدينة أورشليم بكل أركانها وجبالها ومبانيها مقدسة تخدم العبادة اليهودية، ومن هنا حقق اليهود الكثير من الانتصارات في المعارك التي قامت بين الكنعانيين وبنى إسرائيل، ودخلوا المدينة في عهد هوشع بن نون النبى، حيث تأسست دولتهم القوية التي استمرت قرونا طويلة قبل أن يأتى الآشوريون إلى فلسطين سميت المدينة المقدسة أورشليم القدس.
وبعد وفاة الملك داود النبي في 928 ق.م، انقسمت المملكة الإسرائيلية إلى جزأين وصار الجزء الجنوبى مملكة يهوذا وفيه القدس، والجزء الشمالى مملكة السامرة.. ثم جاء نبوخذ نصر عام 587 ق.م، واحتل مدينة أورشليم وهدم هيكل سليمان وصارت المدينة كلها خرابًا ودمارًا حتى هرب كل سكانها إلى بابل (العراق) وأصبحوا أما سبيًا وعبيدًا عندهم.
وبعد نصف قرن من الزمان سمح كورش الفارسى بعودة اليهود إلى مدينة القدس، وساعدهم على بناء هيكل جديد لهم في ذلك الحين.. ثم جاء الإسكندر الأكبر المقدوني عام 333 ق.م بمعركته على الفرس وانتصر فيها واحتل مدينة فلسطين تحت الحكم اليوناني، وبعد وفاة الإسكندر الأكبر صارت مدينة القدس تحت الحكم المصرى السورى بالتناوب. وفى عام 165 ق.م انطلقت ثورة المكابيين على الحكم المصرى والسورى الذي أدى لإنشاء دولة يهودية مستقلة.
ثم قام اليونانيون بتغيير طابع مدينة القدس حتى يصبغوها بحضاراتهم الإنسانية، وحرموا كل اليهود من عبادتهم داخل الهيكل.. وفي عام 63 ق.م تم تحرير الهيكل من يد الإغريق، ثم جاء الرومان واستولوا على القدس وجعلوها ولاية رومانية تابعة لروما، ثم أعطوا ولاياتها تحت يد هيردوس الملك الشهير بقتل 144 ألفا من أطفال بيت لحم والذي كان مزمعًا أن يقتل الطفل يسوع المسيح، وهكذا عاصرت مدينة القدس الشريف ولادة المسيح، وأحداث حياته على الأرض حتى صعوده إلى السماء، ومن هنا بدأت مدينة القدس المباركة الكرازة باسم السيد المسيح له المجد والتي بنيت فيها أول كنيسة على وجه الأرض في بيت كاروز الديار المصرية مارمرقس الرسول، وهو أحد تلاميذ المسيح الاثنى عشر الذي أسس المسيحية المصرية.
وأول من تنبأ بخراب أورشليم وهدم الهيكل السيد المسيح عندما قال لهم أثناء وجوده معهم بالجسد وحذر اليهود بقوله "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا، هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا وسيهدمونك وبنيك فيك، وستأتى أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لأنك لم تعرفى زمان افتقادك ثم بكى يسوع المسيح على أورشليم إذ لم ترد أن تبكى هي على نفسها".
وهذا ما حدث لهم في عام 70 ميلادية ثار اليهود على الرومان وأخذوا يقتلونهم في شوارع المدينة، فتحرك القائد الرومانى تيطس على رأس جيش كبير لكى يأخذ مدينة القدس منهم وحاصرها بالفعل من كل ناحية، ثم اقتحمها وحرق الهيكل ودمر كل من فيه من عبادة ودمرت المدينة كلها تمامًا. وفى عام 117م تولى هادريان اليونانى وأصبح إمبراطورًا على الدولة الرومانية وجلس على عرشها في عز قوتها.
وفى عام 132 م حاول اليهود استعادة المدينة مرة أخرى في حكم الإمبراطور هادريان فدخل الإمبراطور المدينة وهدمها، وأصدر مرسومًا بعدم دخول اليهود مرة أخرى ثم يبنى مدينة جديدة على أنقاضها وغير اسمها من أورشليم إلى (مستعمرة إيليا) وبقى اسم فلسطين ساريًا منذ عهده على هذه البقعة وكان هادريان مهندسًا معماريا متميزًا. وبعد انتهاء عهد هادريان زاد عدد المسيحيين المقيمين مع إيمان قسطنطين الأول بالمسيحية بدأ طابع القدس وفلسطين المسيحى يغلب الطابع الوثنى.
وفى 320 م أيام حكم الملك قسطنطين جاءت أمه الملكة هيلانة وأنشأت كنائس كثيرة في كل مكان كان يجلس فيه السيد المسيح ويعمل فيه معجزة من معجزاته العجيبة ومنها كنيسة القيامة التي بنيت فوق قبر المسيح الفارغ الذي قام منه بعد ثلاثة أيام من دفنه، وتغيرت هوية المدينة من أورشليم اليهودية إلى أورشليم الجديدة الخاصة بالمسيحية، وصارت كل الشعوب المسيحية من مشارق الشمس إلى مغاربها تذهب إلى القدس وتزور الأماكن المقدسة لأخذ البركة، ومن هنا تسمى الزيارة بالحج المسيحى، والشعب اليهودى ليس في حل للدخول إلى هذه المدينة فسمح لهم البيزنطيون بيوم واحد فقط في السنة للبكاء قرب حجر كان لا يزال باقيًا في موقع المعبد اليهودى وظل الشعب اليهودى محظورًا حتى القرن السابع الميلادى.
ونكمل غدا