الحب.. وحاجة الإنسان إليه!
أن تحب فلانا، معناه أن تميل إليه بقلبك أو عقلك، أو بهما معا.. تشتاق إليه، تحب أن تراه دائما، لا تمل الحديث معه، تؤثره على نفسك، وتبذل النفس والنفيس في سبيل إسعاده.. والحب درجات تتفاوت تبعا لطبيعة المحب، فهناك الشخص العقلانى، وهناك الشخص العاطفى، الرقيق، والمرهف.. وبين هذه النوعية وتلك، أشكال وألوان ودرجات كثيرة.. كما تتفاوت درجات الحب تبعا لطبيعة المحبوب، من حيث المكانة والمنزلة، وما يتمتع به من خصائص ومميزات، وكذا القرب منه أو البعد عنه.. لذا يقال في الأمثال: "البعيد عن العين، بعيد عن القلب".. ويقال أيضا: "البعد جفا"..
ولا يوجد إنسان لا يحب المال (وتحبون المال حبا جما)، ويعتبر المال والبنون من أحب الأشياء إلى نفسه (المال والبنون زينة الحياة الدنيا).. ولا شك أن للمرأة أيضا مكانتها ودورها في حياته (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة).. كما يحب الإنسان الأنعام والدواب والزروع والثمار.. وقد جمع الله تعالى ذلك كله في قوله: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث).. ثم قال: (ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب)..
غير أن محبة الدنيا آفة تصيب الكثير من البشر.. يقول الحبيب (صلى الله عليه وسلم): "من كانت الدنيا همه، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهى راغمة".. صحيح أن الله تعالى حذر منها، لكنه سبحانه أوصى بألا نعتزلها وأن نأخذ منها بقدر، فقال: (ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك).. كما أن الإنسان - باختلاف الزمان والمكان - يحب أو يعشق النصر أو الانتصار في أي معركة يخوضها (وأخرى تحبونها، نصر من الله وفتح قريب)..
ويعتبر الحب بشكل عام طريق الإنسان إلى السعادة، لأنه يجعل للحياة معنى وقيمة، وذلك بما يحمله من قيم أخلاقية وإنسانية عليا: كالإيثار، البذل، العطاء، التضحية، الوفاء، الصفح، السماحة، اللين، الرأفة، والرحمة، فضلا عن المشاركة في تحمل أعباء الحياة.. كما أنه يشيع فيها أجواء البهجة والفرح والسرور، علاوة على أنه يضفى على الإنسان توازنا نفسيا وعصبيا ووجدانيا، بحيث يجعله قادرا على مواجهة أعباء الحياة.. ولا شك أن عدم وجود الحب في حياة الإنسان يحول الحياة إلى بؤس وتعاسة وشقاء، ويجعلها صحراء مجدبة وموحشة، يحيا الإنسان فيها كالآلة دون عواطف أو مشاعر.. وربما تسيطر عليه المعانى الممقوتة والمدمرة، كالأنانية، حب الذات، الكبر، الغرور، الكراهية، الحقد، والبغضاء..
ويمثل حب الإنسان لوطنه أرفع المراتب وأعلاها، ويعتبر من الإيمان، كما جاء في الحديث.. فالوطن هو الأرض، والعرض، والمقدسات.. هو التاريخ، والحضارة، وذكريات الآباء والأجداد.. هو الحاضر والمستقبل والتقدم والازدهار.. هو العزة والكرامة والإباء..