قطع لسان أعداء ثورة ديسمبر!

ومن مزنقة في مكان منعرفهوش، طالب المُناضل القديم، والسياسي البارز، والناشط الهائج، والمُعتصم بخيم التحرير دون أن يتفرَّقوا، والمُرشَّح المُحتمل والمؤكد لكُل انتخابات في أي نادٍ أو نقابة أو اتحاد طلاب روضة أو جامعة أو مجلس عُرفي، طالب بإضافة مادة للدستور تعترف بثورة ديسمبر، ولما سألوه هي ثورة ديسمبر بتتكلِّم عن إيه؟ أجاب حالمًا: أكيد عن العيش والحُرية والفتة بالخل والتوم والمهلبية!

كان يؤمن أن الجو الثوري الذي عشناه مُنذ 2011 هو ما بعثه وأمثاله إلى الحياة، وبعدما كان عدد مرَّات ظهور الواحد منهم على فضائية شبيه بعدد مرَّات ظهور اللحمة في طبيخ الفقير يا ولداه، صار راشقًا رشقة الفول برضو عند الفقير، ورغم هذا الظهور المُكرر لدرجة الملل، ورغم التشدُّق بشعارات الثورة والفقر والمساواة والعدل والإخاء تيمُنًا بالثورة الفرنسية، لكن اكتشفنا في الآخر أننا مأخدناش من الثورة الفرنسية ولا حتى قطمة كرواسون!

المُهم أن ثورة ديسمبر المقصودة لن تُطالب بإسقاط نظام، ومش هتبقى عايزة عيش خاصةً بعدما توافر على بطاقات التموين واختفت طوابيره تمامًا في طول البلاد وعرضها، والله الغني عن حُرية الفوضى التي كرَّهتنا في كلمة الحُرية بعدما عايشناه بمرار في السنين الأخيرة، إذ أصبحت الحُرية بلطجة وانفلات سلوكي وانهيار أخلاقي، أما العدالة الاجتماعية فلنقرأ عليها الفاتحة بعدما كان أول المُنادين بها ـ بالزور الحلق يعني وتمشي بالزور اللي هو الكذب برضو أقول بالزور لا بالقلب ـ هُم مَن خانوها بعدما اغتنوا وأصبحوا أغنياء ثورة وفتح الله عليهم من وَسَع، واللي ركب البي إم دبليو، واللي اتجوزت وملت النيش صيني، واللي بقت بتصيِّف في شرم بعد ما كانت بتدوخ لما تخرج برَّة صفط اللبن، كُلهم جنوا مكاسب الثورة والمُتاجرة بدماء الغلابة، ولم يجنِ الغلابة شيئًا إلا مزيدًا من الفقر، لكن برضو هذا ليس موضوعنا!

ونعود للمُهم وهو أن ثورة ديسمبر هي تلك الثورة التي لا يركبها النشطاء والإخوان كما جرى في ثورة يناير، وهي برضو ليست الثورة التي يقوم بها الشعب ليطيح بالمصلحجية والإخوانلية والنصَّابين ونشطاء التلات ورقات بأكبر شلوط في التاريخ كما جرى في ثورة يونيو، لكنها ثورة ليها ناس مخصوص، شوية رجالة وستات من بتوع الألاباندا لا السياسية فحسب، لكن كمان الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والفنية والأدبية والثقافية واللي قال هاتوا حتَّة منها!

فما إن يبدأ النصف الثاني من ديسمبر وربما من قبل ذلك، تجتاح المحطات الفضائية ومواقع الإنترنت وكذلك الصحف والمُرتجع بتاعها موجة هائلة من التنبؤات، ثورة تنبؤات بما سيحدُث في العام الجديد، وهذا ديدن ديسمبر في كُل عام مُنذ دخل النايل سات إلى كُل البيوت، واحد حاطط كُحل في عينيه وعامل ديل حُصان، ومسمي نفسه (هكسوس) أو (فرعون) على ما أذكر، أو واحدة مربية شنبها وحالقة شعر راسها زلبطة، ومسمية نفسها (بطة الكتعة) أو (ميجا وات) تقريبًا مش فاكر، وهاتَك يا فتي في كُل حاجة على سبيل التنبؤ، والميَّة تكدِّب الغطاس، لكن المُشكلة إن الغطاس مش بيتكدِّب خالص لا بسبب أنه صادق أو مش كذَّاب، لكن لأن الميَّة بتنشف بسرعة على يوم واحد أو اتنين يناير بالكتير، وكُل الهلس الذي شهدته ثورة تنبؤات ديسمبر في الفضائيات والمواقع والورق بيتنسي ولا يبقى منه إلا الشعبطة بتاع الناشط المناضل المتثوِّر لا إراديًا المذكور في بداية المشوار فوووق!

وخُد عندَك التنبؤات بقى: الساعة هاتبقى خمسين دقيقة، وتلميذ ثانوي هيبتكر جهاز يمنع النكد الزوجي، وسنة سادسة ابتدائي هترجع تاني لو كانت اتلغت أو هاتتلغي تاني لو كانت رجعت لأني مش فاكر بصراحة آخر قرار كان إيه، ومصر ستكون قادرة على زراعة السحلب، كما سيشهد وادي النيل طفرة في زراعة العنب لدرجة أنه هاييجي عناقيد والحبَّة تملا الإيد على رأي الأغنية!

والغريب أن البرامج ومقدميها ومُعديها لا يملُّوا أبدًا من تكرار ما يجرى كُل سنة، والمُذيع من دول يذبهل زيادة سنة بعد سنة وهو يتأمَّل (فرعون) أثناء التنبؤ بأن المنازل التي كانت تبنى في الماضي بالطوب اللبن ستُبني في العام المُقبل ـ أي عام مُقبل فهي تنبؤات مُكررة لكن آفة بلدنا النسيان ـ بالطوب اللبن البودرة، أما (ميجا وات) فستشد انتباه مُقدِّم البرنامج الشاب الذي سيترُك ساندوتش المخاصي للكونترول ليتأمل في ملامحها الجادة المُفزعة وهي تزف بُشرى نبوءة العام الجديد القُنبلة، إذ تؤكد أن العيشة هاتبقى جنان والعربيات هتموِّن بدل البنزين بارفان!

كُله ضحك على الدقون التي ضحكت على مُعظم الناس بعد ثورة يناير قال إيه علشان نبقى خالصين، طيب ثورة ديسمبر لن تمنح أحد حُكمًا ـ بالجور ـ كما منحته ثورة يناير للدقون التي ظن البعض أننا ضحكنا عليها، طيب حتى نحاول نقنع الراجل إن ديسمبر مش ثورة بجد، ومفيهاش ناس نزلت الشوارع، ولا محاكم وأقسام شُرطة اتحرقت، ولا سجون تم اقتحامها، ولا موقعة جمل، ولا خداع وحيل إخوانية للقفز على ظهر الثورة وامتطاء الميدان بناسه، وأهو نكسب فيه ثواب بدل ما هو بيسمع كلمة ثورة بيقعد يهرُش في كُل أنحاء جسمه وراسه، لكن تقول لمين؟ أهو راسه وألف سيف إن ثورة ديسمبر لازم توصل للحُكم، ويتم حمايتها ضد الإهانة أو الهجوم أو النقد، مع إضافة مادة صريحة في قانون الجنايات بقطع لسان أي واحد يتشدد لها، وبشرط كمان إنه يكون هو خير مَن يمثلها.. يااادين النبي إنت لسَّه مشبعتش تمثيل يا عم؟ ألا صحيح مفيش نبوءة بخصوص الراجل دة واللي زيُّه تريَّحنا منهم ولو بالوهم لحد ما يشاء ربنا ونرتاح منهم بجد؟!