متى يتوقف العرب عن الغناء على أوتار القدس؟
يذكرني الموقف العربي تجاه قرار الرئيس الأمريكي ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس، بـأغنية الحلم العربي والمشاهد التي صاحبت الأغنية من معاناة للفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي. فأفضل ما يقدمه العرب في كل أزمة فلسطينية هو مجموعة لا بأس بها من الأغاني. فعندما تفتش عن صورة الشهيد محمد الدرة وهو في حضن والده لن تجد مكانا في الذاكرة العربية الجمعيّة تخلد صورته غير أغنية "على باب القدس" للفنان هاني شاكر. ولن تجد صورا تخلد الأطفال الفلسطينيين الذين يرشقون قوات الاحتلال بالحجارة أفضل من الصور التي سجلتها أغنية "الحق سلاحي وأقاوم" لجوليا بطرس.
لم يكن قرار ترامب صادما لحكام الدول العربية، كان صادما للشعوب العربية. لكن جامعة الدول العربية وأعضاءها كان يعرفون. وإذا كان القرار صادما بالنسبة لجامعة الدول العربية، فالمصيبة أكبر، لأن الأمر يعني أن العقل العربي توقف عن فهم السياسة. فمن يفهم أبجديات علم السياسة الدولية، يعرف أن "مفهوم القوة" هو الدولة أو مجموعة الدول التي لا تملك وسائل الضغط (القوة) - لتنفيذ ما ترغبه أو منع حدوث ما لاترغبه – لاوزن لها في ميزان السياسة الدولية.
كان يكفي العرب مشاهدة الكلمة التي وجهها نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس لإسرائيل، وليس لليهود في أمريكا – بل لإسرائيل، أثناء الحملة الانتخابية لترامب، ليعرفوا أن قرار ترامب كان مسألة وقت. من يدرس أيضا أبجديات السياسة الأمريكية يعرف أن ترامب من أكثر اليمين الأمريكي تطرفا، لذلك فإن القول بأن جامعة الدول العربية والدول الأعضاء لم يتوقعوا قرار ترامب، هو نوع من السخرية من الشعوب العربية.
بعد قرار الرئيس الأمريكي، تعالت كالعادة أصوات الشجب والتنديد، فقال من قال ما شاء أن يقول، حتى إن الأمين العام لجامعة الدول العربية أطلق تصريحين: هو "أن قرار ترامب يدفع المنطقة نحو مزيد من العنف والفوضى" والثاني هو أنه يحمل "الولايات المتحدة مسئولية ما يحدث من تداعيات حال عدم تراجعها عن موقفها". أصاب أبو الغيط كبد الحقيقة عندما ربط بين المنطقة والعنف والفوضى، لكنه يغني كما يغني غيره على أوتار القدس، فلا أمريكا ستتراجع عن قرارها، ولا ترامب يضع تصريحات السيد أبوالغيط والجامعة العربية بكاملها في ذهنه، لأن ترامب يعرف أن الفلسطينيين هم من يدافعون عن القدس، وأن القدس لم تعد قضية عربية-إسرائيلية، بل فلسطينية-إسرائيلية.
لماذا يتباكي العرب الآن على القدس وكانت أمامهم فرصة سانحة أيام باراك أوباما؟ فأوباما الذي لم يعجبهم لأسباب كثيرة لا يتسع المقام الآن لذكرها كان أول رئيس أمريكي يعلق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعدما عرف أن نتنياهو غير جاد، وهو أول رئيس أمريكي يعلن رسميا في مايو 2011 أن دولة فلسطين يجب أن تقوم على الحدود قبل عدوان عام 1967. أوباما كان أول رئيس أمريكي يطلب من إسرائيل بشكل غير مباشر الانسحاب لحدود ما قبل 1967، فأين كانت الدبلوماسية العربية، وماذا فعل العرب وقتها؟
اليائسون من المواقف العربية تفائلوا بنقل ترامب سفارته للقدس، ظنا أن ذلك سيسبب زلازل ويفجر براكين لن تنطفئ، ولن يمر وقت طويل قبل أن يزداد اليائسون يأسا. في عام 2012 أنشد الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي قصيدة "في القدس"، صور فيها العربي وهو يزور القدس ويظن أن القدس بها شعوب من جميع الأجناس، إلا العربي الذي يبدو، وأن كاتب التاريخ نساه فاستثناه من شعوب القدس، ثم عاد وصور القدس تخاطب العربي"الباكي وراء أسوار القدس وتقول له وهي مبتسمة: أحمق أنت؟ أجُننت؟ لا تبكي عينك أيها المنسي من متن الكتاب، لا تبكي عينك أيها العربي، واعلم أنه: في القدس من في القدس لكن لا أرى في القدس إلا أنت. لم يخطئ تميم البرغوثي عندما قال إن العربي منسي من متن كتاب التاريخ، فالعرب أضعف من يفعلوا شيئا ومعظمهم يتنازعون ويتقاتلون ويعانون من قضايا الإرهاب والفساد وغير ذلك من قضايا داخلية.
يراهن العرب على مواقف الدول الأوروبية التي رفضت مفوضتها طلب نتنياهو بنقل سفارات الدول الأوروبية للقدس أسوة بما فعله ترامب. لكن نتنياهو يراهن على الوقت، فمع الوقت ستغيّر بعض الدول الأوروبية موقفها.
يضحكني من يقول إن الرهان الآن على الشعوب العربية، فماذا عسى الشعوب أن تفعل؟ تتظاهر أم تثور؟ وعلى من؟ من يراهن على الشعوب العربية يذكرني بمن يغني أيضا على أوتار القدس. عندما يفعل العرب شيئا أكثر من الرهانات ومن الغناء، يمكن لنا أن نتحدث وقتها عن عودة القدس.