رسل العدو!
لتفهم الحاضر انظر قليلا إلى الماضي.. فصحيح المثل القائل "ما أشبه الليلة بالبارحة".. وفعلا.. ما أشبه الليلة بالبارحة.. فلم تكن إمبراطورية المغول الكبيرة وليدة سنة أو سنوات قليلة.. بل استغرق بناؤها عشرات السنين حتى قد لا يتخيل البعض أن الفارق في السنوات بين سقوط الدولة الخوارزمية باعتبارها أول دولة إسلامية تسقط وبين معركة عين جالوت يصل إلى 44 عامًا كاملة!!
خلال هذه الفترة وكما جاء في فيلم "وا إسلاماه" كان التخطيط العسكري الجيد سمة التتار وهذا التخطيط العسكري لم يكن في ساحات الاشتباك بين الجنود فقط، بل اعتبر التتار أن ساحة القتال تمتد من فترة اتخاذ القرار بغزو بلد بعينه إلى حدوث الغزو نفسه، وخلال هذه الفترة كانوا يديرون الحرب النفسية على أعدائهم وبما ييسر سقوطهم ويقلل من زمن القتال ليلتفتوا إلى البلد الذي يليه وهكذا!
كانت عيونهم التي يرسلونها إلى البلد المستهدف ليس فقط للحصول على المعلومات وإرسالها بطرق الإرسال المعروفة وقتها وهي أن تسلم باليد لآخرين يعودون بها إلى القيادة أو بالحمام الزاجل أو يعود بها الجاسوس نفسه لانتهاء مهمته.. لكن كانت لهم مهمة أساسية وربما أهم وهي إحداث الفتنة لشق الصفوف والدفع إلى عدم اتفاق بلد واحد على شيء واحد.. حتى في البلاد التي قررت مقاومة التتار كانوا يدفعون في ظهور فريق آخر يؤيد تسليم البلاد مقابل عدم القتال! وكانوا يخونون عهدهم كل مرة ويقتلونهم كما قتلوا من يقاوم!
كانت رسل العدو تنشر الإحباط واليأس وعدم القدرة على الصمود ولا على المقاومة ونشر فكرة أن "كل حي يدافع عن نفسه" لتنخفض المناعة عند هؤلاء إلى أقل درجة ممكنة.. لكن في البلد الوحيد الذي خاض الحرب النفسية أولا ثم وحد كلمة الناس ثانيًا ثم جهز الجيش المقاتل ثالثًا.. كان نصره في "عين جالوت"!
الآن نفتش عن كل هذه الأفكار الانهزامية التي تسربت إلى مجتمعنا كيف ومتى تسربت؟ ونتذكر الآن كيف لمن يزعم أنه مفكر كيف يقول لنا إن المسجد الأقصى ليس في فلسطين ويشكك في قدسيته ويشتم ويسب كل القادة العظام ويطعن ضد رموز العسكرية المصرية، ويهاجم بخط ثابت ثورة البلاد الأم، والتي قام بها أبناء الجيش العظيم؟ ويظل السؤال: هل الدهشة من ظهوره أم الدهشة انتظام ظهوره وبقائه بغير محاكمة حتى الآن؟!