رئيس التحرير
عصام كامل

مراسلو فلسطين.. عندما تقاوم الصورة طلقات الرصاص (فيديو)

فيتو

قميص عازل للرصاص، وقناع مضاد للغاز، أشياء لا يستغنى عنها المراسل الصحفي في مدن فلسطين الأبية، فالكاميرا والميكروفون لا يكفيان وحدهما للنزول إلى ميدان المعركة على خط المواجهة، مع عدو محتل غاشم.




نفير عام وانتفاضة غضب، هكذا أعلنتها الفصائل الفلسطينية بمختلف توجهاتها، عقب القرار المشين لدونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، بنقل سفارة بلاده إلى القدس العربية والاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني، لسان حالهم: «لأننا ملح هذه الأرض أيها الأحمق، فكيف تتبرع بنا للاحتلال؟!».



مع الساعات الأولى ليوم الجمعة 8 ديسمبر، أعد المراسل التليفزيوني، عدته واتجه صوب مستوطنة بيت إيل، حيث المدخل الشمالي لمدينة البيرة برام الله، لينقل الحدث لحظة بلحظة، ولا تزال دعوات أمه تتردد على مسامعه، حين ودعته عند مدخل منزل في أحد شوارع رام الله العريقة، مستقلا سيارة البث، ليذهب إلى حيث تنفجر التظاهرات.

خمسة عشر عاما، قضاها «على دار على»، المراسل الحربي لتليفزيون فلسطين، ما بين الاحتجاز والملاحقة، موقعه الرئيسي خطوط المواجهة، وقائع جمعته وجنود الاحتلال، رصدتها عدسات العالم، يحمل رسالة كنعانية على الأرض: «القدس العاصمة الأبدية لفلسطين».



الغليان يتصاعد في القدس وسائر الضفة، حملات دهم واعتقالات تشنها قوات الاحتلال، يجتمع «دار على» ورفاقه من مراسلي قنوات العالم، عقب صلاة الجمعة عند النقطة الشمالية لمدينة البيرة، ومن هناك انطلقت التظاهرات، أجواء الحرب مكتملة، إطارات مطاطية يشعلها الثوار في وجه قذائف الاحتلال من قنابل الغاز المسيل والأعيرة المطاطية.

دقائق من بدء الاشتباكات، ترك «على» الميكروفون، أخرج هاتفه، وضغط على الزر الخاص بالبث المباشر - إحدى خدمات موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»- شارك خلاله متابعيه، ما يدور من أحداث في بيت إيل، لم يستمر البث طويلا، فالوضع بات أكثر خطورة، مواجهات واشتباكات، كر وفر، سقوط جرحى وقذف يستهدف سيارتين تابعتين للهلال الأحمر الفلسطيني.

مراسل الحرب، مشروع مقاتل إن جاز التعبير، وهو ما جسده «دار على» الذي لم يكتف بنقل الرسالة الإعلامية الفلسطينية، من قلب الميدان، وعلى خطوط المواجهة الأولى مع العدو، فهو لم يستطع أن يتجرد من نضاله الأزلى، أخذ ينقذ الثائرات اللاتي استهدفتهن قذائف وقنابل الاحتلال، يعود لمهمته الإعلامية للحظات يطلع العالم من خلال البوق الإعلامي الذي ينتمي إليه على تطورات الأمور ومجريات الأحداث، بعدها يعاد مجددًا إلى «على الثائر» وهكذا دواليك.

اتشحت الأجواء سريعا بلون رمادي، بعدما أمطرت القوات وابلا من القنابل المتلاحقة، استغاثات الثائرات تتعالى، يحاول المراسل الوصول إليهن ينجح تارة ويفشل تارة أخرى: «الأدخنة تحجب عنا الرؤية نتبع مصدر الصوت، علنا نصل لموقع المستغيثة، في هذه الأثناء استهدفتنا بنادق بني صهيون، وأصبت في أسفل الرأس وكسرت يدي اليسرى».



نقله المتظاهرين على الفور إلى أقرب سيارة إسعاف تمركزت في المكان، التي اتجهت به إلى مجمع فلسطين الطبي برام الله.

للمسعفين دور كبير في إنقاذ حياة على وكذا العديد من أبناء رام الله والبيرة، الذين استهدفتهم طلقات المحتل: «كنت في حالة إعياء شديدة لكني لم أفقد الوعي، نقلتني سيارة الإسعاف إلى مستشفى مجمع فلسطين الطبي، وكان معي أحد الرفاق، سألني أحدهم وهو مسعف تجاوز الخمسين «أنت على دار على، فأجبته نعم، وردد الله يحميك يا ولدي من كل شر، واستمر في إسعافي وفقا للإمكانيات المتاحة لديه».



«لم أكن أستبعد إصابتي أو حتى استشهادي، فهي القدس ودونها الرقاب، فور وصولي للمشفى لن يتوانى الأطباء عن إنقاذي، وفورا أجري لي عمليتان في أسفل الرأس ويدي اليسرى، لم أشعر للحظة أن ما حدث لي أمر جلل، فإنا لا أمثل قيد أنملة في سطور الأبطال».

لحظات وبدأ الخبر ينتشر كالنار في الهشيم «عاجل إصابة على دار على، المراسل الحربي لتليفزيون فلسطين»، أذاعته نشرات الأخبار وتداولته مجموعات «فيس بوك».

يوم ونصف اليوم قضاه «على» في المشفى، التي شهدت مظاهرة حب، شارك فيها أساتذته وزملاء عمله ورفقاء الدرب، جاءوا من مختلف أرجاء فلسطين، قبل أن يبرح سريره لبطل آخر، أصيب أثناء دفاعه عن الأرض والعرض، الأمر الذي عجز المراسل أن يصفه في معرض الحديث عن وقائع اليوم المشهود.



في أجواء حميمية وصل منزله في رام الله، ومع غروب يومه الثاني عقب إصابته، رن هاتفه برقم يبدو أنه لشخص مسئول، يقول وجدته مسئولا من مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، يخبرني أن الرئيس يريد الاطمئنان على صحتي، فرحة ما بعدها فرحة، حرصت على توثيقها، من خلال فيديو شاركته مع الجميع عبر حسابي الشخصي على «فيس بوك»، جدد «على» فيها العهد للرئيس الفلسطيني، وبارك خطواته من أجل إنقاذ القدس.



إصابة «على دار على» لم تكن عائقا أمامه ليتابع ما يدور حوله من أحداث وتطورات داخل المشهد الفلسطيني، ولما صعب عليه الوجود في الميدان، امتثالا لتعليمات الطيب وتسويلات الأم، فكان خير داعم ومشارك عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، قبل أن يعود سريعا إلى رفاقه، ولكن هذه المرة ثائرًا منتفضًا لأجل الأرض.



الجريدة الرسمية