بوتين عندنا
اليوم يزورنا الرئيس الروسي بوتين، وهذه الزيارة لها أكثر من معنى، المعنى الأول والمباشر لها هو المشاركة في تدشين المشروع النووى المصرى، مع توقيع الاتفاقيات التفصيلية الأربع بين مصر وروسيا الخاصة بهذا المشروع، الذي يتضمن إقامة المحطة النووية في منطقة الضبعة بمشاركة روسية، وبذلك نبدأ في تحقيق الحلم النووى المصرى الذي طال انتظاره طويلا، وسعى البعض وما يزال لإجهاضه وتعطيله.
غير أن زيارة بوتين لمصر في هذا التوقيت الدقيق، وبعد قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها تكتسب أهمية أكبر، وتضيف لها معاني أخرى جديدة، فهى تشير بوضوح إلى أن العلاقات المصرية الروسية تمضى قدما إلى الأمام، رغم مشكلة وقف الطيران والسياحة الروسية إلى مصر، وأن هناك ما تتشارك فيه الدولتان غير الطيران والسياحة، ولذلك لن تطلب مصر مثلما حدث من قبل خلال هذه الزيارة قرارا روسيا طال انتظاره في هذا الأمر، ومن بين ما يمكن أن تتشارك فيه الدولتان التعاون في حرب الاٍرهاب في منطقتنا، خاصة وأن إرهابيى العراق وسوريا يتجمعون الآن في ليبيا، وكذلك التعاون في مواجهة القرارات الأمريكية المنفردة والأحادية الجانب والمنحازة لإسرائيل.
خاصة وأن ترامب لن يكتفى بقراره الشاذ الغريب الخاص بالقدس، وإنما يدخر مشروعا أكثر خطورة لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى يمنح الفلسطينيين سلطة إدارية على نصف الضفة الغربية وغزة مع احتفاظ إسرائيل على السيطرة على الحدود البرية والبحرية وأيضًا السيطرة الجوية، مقابل تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل.
كما يجمعنا نحن وروسيا أمر آخر مهم يتمثل في أن الرئيس الأمريكى الجديد ترامب خذلنا وجعل رهاننا عليه -سواء العلاقات المصرية أو الروسية مع أمريكا- يتراجع إن لم يكن يتبدد، فنحن الآن إزاء رئيس لا تفعل إدارته إلا ما يضر بتلك العلاقات بدلا من أن يفيدها، ولعل قراره الأخير الخاص بالقدس كاشف لذلك، ومن قبله قرار وزارة خارجيته بتخفيض المساعدات العسكرية لنا، مثلما فعل مع روسيا بالإبقاء على الحظر الأمريكى الاقتصادى عليها وزيادته أكثر، وهكذا الفرصة مهيأة الآن لمزيد من التقارب والتعاون مع روسيا، في إطار السياسة التي تنتهجها مصر حاليا بالانفتاح على كل العالم، وعدم الرهان على العلاقة على دولة واحدة أو حتى مجموعة من الدول، خاصة وأننا بصدد تشكيل خريطة دولية جديدة تشهد صعودا لقوى عديدة غير أمريكا.