نجيب محفوظ يعترف: تقاليدنا لا تسمح بالصراحة في مذكراتنا
سئل الأديب الكبير نجيب محفوظ (ولد في 11 ديسمبر 1911، ورحل في 30 أغسطس 2006) لماذا لم يؤرخ لحياته مثل "الأيام" لطه حسين، و"قصة نفس" لزكى نجيب محمود، وزهرة العمر "لتوفيق الحكيم، و"أوراق العمر" للويس عوض، واكتفى بتوزيع بعض منها على أبطال رواياته.
أجاب نجيب محفوظ على عبد العال الحمامصي في مجلة أكتوبر عام 1982 فقال: «إن قيود الشرق وتقاليده لا تسمح بالبوح والصراحة، وحتى لويس عوض حين أراد أن يكون صريحا فضح أهله في "أوراق العمر"، وحين جاء يتكلم عن نفسه خانته الصراحة حتى قلت له أنت يا لويس لم تتكلم عن نفسك لكنك بهدلت أبوك وأمك، وأنا لم أكتب عن أهلي لأنى لم آخذ إذن منهم بالحديث عنهم، لكنى أستمتع أكثر بقراءة السير الذاتية للزعماء السياسيين والقادة العسكريين لما تركوه من بصمات في التاريخ حيث كانت حياتهم جزءا لا يتجزأ من حياة أممهم، وقد قارنت ذلك بحياتى الرتيبة العادية سواء في الصغر أو الكبر فوجدت أن حياتى لا تستحق كتابة سيرة ذاتية.
وعن ذكريات طفولته الأولى قال: منذ مولدى في حي سيدنا الحسين في يوم الإثنين 11 ديسمبر عام 1911 وهذا المكان يسكن في وجداني حتى أصبحت أشعر بالحنين إليه لدرجة الألم، هذا الحنين الذي لم يهدأ إلا عند الكتابة عن هذا الحي، فكل أخوتى ولدوا في بيت "درب القزازين" وأنا الوحيد بينهم الذي ولدت في بيت القاضى رقم 8 وكان البيت مواجها لقسم الجمالية.
وفي عام 1920 بعد ثورة 19 انتقلنا إلى حي العباسية في البيت رقم 9 شارع رضوان شكرى، وكنا نعيش في العباسية وكأننا نعيش في الريف حيث البيوت الصغيرة تجاورها الحقول الخضراء حتى منطقة حدائق القبة.
رغم هذا البيت الجديد كنت أتردد على حي الحسين، وكان لى شقيقان وأربع أخوات ومع ذلك نشأت وكأننى وحيد أبويه بعد أن تزوج كل أخوتى وتركوا البيت وكنت أصغر الأبناء وفارق السن مع أخي الأكبر عشر سنوات، وكان لى أخت متزوجة في حي الحسين كنت أقيم عندها أياما.
كانت العلاقة بين والدى ووالدتى مثالا للاحترام والحب فلم أشهد بينهما شجارا، صحيح أن أمى كانت عصبية لكنها كانت تحترم أبى احتراما شديدا، أما هو فقد كان ملتزما ولم يتزوج سوى والدتى ولديه قدر كبير من التسامح والمرونة والديمقراطية وليس فيها استبداد أو عنف، ولا علاقة له بشخصية سى السيد كما يقال.
بعد التحاقى بالجامعة أصبحت علاقتى بوالدى تتسم بالصداقة لكنه مات عام 1937 ولم يطلع على أولى رواياتى "عبث الأقدار" وإن كان قد قرأ قصصى القصيرة في بداياتى.