إلى روح عبدالمنعم رياض وعائلته: تقبلوا اعتذارنا!
كانت الأحداث تتوالى والتغيير يطول كل شيء وفي المقدمة الجيش المصري، وجاء الفريق أول محمد فوزي وزيرًا للدفاع، وجاء الفريق عبد المنعم رياض رئيسًا للأركان.. وكلاهما مشهود له بالكفاءة وكلاهما مشهود له بالصرامة وكلاهما مكلف بإعادة بناء الجيش من جديد.. وقد بدأ ذلك من اللحظة الأولى وليس حتى من اليوم الأول!
بعد دقائق من توليه رئاسة الأركان طلب الفريق رياض لقاء الرئيس منفردًا، وقال له لي طلب عند سيادتك يا سيادة الرئيس.. قال عبد الناصر: تفضل طبعًا.. قال رياض على الفور: أرجوك يا سيادة الرئيس.. إذا عرض عليك أي مشروع لاسترداد الأرض دون قتال فلا توافق.. لدينا ثأر وعلينا استعادة اعتبار القوات المسلحة أولا بالسلاح كما خدش بالسلاح"!
وكما طمأنه عبد الناصر وقال إن هذا ما قرره فعلا انطلق رياض يتابع كل شيء في القوات المسلحة.. وفي زمن قياسي يحسب بالأيام كانت مصر تدخل حرب الاستنزاف في معجزة في ذاتها وبدأ عبور وحدات الصاعقة والاستطلاع وضربوا وأوجعوا وعادوا أيضًا بالأسرى.. وتشتد المعارك برًا وبحرًا ويصرخ العدو ويطلب من أمريكا التدخل وتدخلت بعدها بأشهر بمبادرة "روجرز" لإنقاذ إسرائيل، وبات قائد هذه العمليات ومهندسها مع وزير الدفاع مطلوبًا حتى استشهد بالفعل البطل عبد المنعم رياض وهو في الصفوف الأولى للجيش وليس في غرفة مكيفة أو مكتب مغلق عليه ليضرب المثل في دور القائد العسكري.. ولذلك كان منطقيًا أن يبتهج قادة العدو فقد ترجل الجنرال الذهبي كما وصفوه وكان منطقيًا أيضًا أن تودعه مصر في جنازة مهيبة سجلها التاريخ قبل أن تسجلها العدسات وغنى محمدعبد الوهاب "دخل الجنة موفور السنا.. وحنا العرش عليه ورنا"..
وبعد الجنازة استدعى جمال عبد الناصر الفريق أول محمد فوزي وكلفه بخطة فورية للثأر للشهيد العظيم لا تتعدى ذكرى الأربعين له.. فكانت خطة عرفت بـــ "لسان التمساح" وتمت في اليوم الأربعين بالتمام والكمال لرحيل البطل وتناولناها في مقال سابق عن قصة الثأر للشهيد عبد المنعم رياض إلا أنها تستحق أن تروى ألف مرة وفيها قامت الوحدة 39 قتال بقيادة البطل الشهيد الأسطورة إبراهيم الرفاعي وبخطة جريئة بتدمير الموقع الذي انطلقت منه القذائف التي الآثمة التي أودت بحياة البطل وقتل كل من فيه بمعداتهم وكان عددهم أربعة وأربعين مجرمًا صهيونيًا بينهم ثلاثة من كبار قيادات جيش العدو ومرت ذكرى الأربعين للرجل وثأره قد جاء وروحه قد اطمأنت!!
الآن.. تمثال هذا البطل العظيم -الذي لم نعرض إلا اليسير من مجده وسيرته- يتعرض للإهانة ويتم نقله من مكانه بهمجية لا مثيل لها وتصل مشاهد ذلك للعالم كله وبما لا يسر إلا العدو الذي سيفرح جدًا في فضيحة كنا في غنى عنها وعلى يد موظفين لا نعرف كيف فعلوا ذلك ومن علمهم أن التعامل مع مثل هذه النصب التذكارية يتم بهذه الطريقة وكأنها معركة بلدي في شوارع أحد الأحياء الشعبية؟! ورغم أن التمثال قطعة من الحجارة فإنه رمز مثل العلم الذي هو قطعة من القماش.. المحافظ هو المسئول أمام المصريين حتى لو اتهم رئيس الحي أو المهندس المختص.. والأمر وقد تسبب في جرح لأسرة الشهيد إلا أنه جرحنا جميعًا.. فلا يصح التعامل مع ما يخص أبطالنا بهذه الطريقة خاصة أن الشماتة عند العدو باقية.. ما بقينا!
بورسعيد كلها تحتاج إلى ألف تحقيق.. لا فالكلام لا يتوقف عن فساد هنا وإهمال هناك وكلام عن عودة تمثال ديليسبس ولا نعرف هل نكرم المستعمرين والمستغلين ومصاصي دماء الشعب المصري أم نكرم أبطالنا ورموزنا؟ هل نود فعلا استعادة الانتماء الوطني وبناء جديد للأجيال الجديدة أم نخضع لفزلكات لمستغربين يعيشون بيننا؟؟!
سيدي البطل العظيم: لروحك الطاهرة وذكراك كل المجد ونحتسبك مع الأنبياء والصديقين والشهداء.. ولذكراك ولأسرتك العظيمة كل الاعتذار الممكن.. مع كل الخجل الممكن!