رئيس التحرير
عصام كامل

المواطن الصحفي يهزم المحترف أحيانا


رغم كل الاختلافات في الرؤى والأهداف والنتائج، فإن صحافة المواطن أو إعلام المواطن Citizen Journalism مفهوم انتشر على نطاق واسع، وأصبح حقيقة شبه يومية لا فرار منها، يستخدمها المواطنون والصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات، ويستعين بها متخذو القرار، ويخشون تأثيراتها ويحاولون الاستفادة منها، ومتابعتها؛ كل بطريقته.


هذا الصحفي المواطن، يقدم لنا معرفة بما يحدث في الأماكن التي يعيش ويعمل فيها، والمناطق والشوارع التي يمر بها، والأحداث التي يتصادف وجوده بالقرب منها، وقد يقدم لنا صورة أكثر خطورة ووضوحا من التي نحصل عليها من وكالات الأنباء، والصحفيين المحترفين؛ فهو عبارة عن شاهد عيان ينقل ما يراه، لا ما يسمع به، أو يقرأ عنه.

وانتشرت صحافة المواطن في السنوات الأخيرة، ولعبت دورًا مؤثرًا فيما عرف بثورات الربيع العربي، ويرجع ذلك أساسًا إلى نمو وسائل التكنولوجيا الجديدة (الهواتف الذكية) التي تسمح للمواطنين العاديين بالكتابة والتصوير وتحرير وتوزيع المحتوى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

ونظرا لعدم احترافية المواطن الصحفي، وعدم اعتماده على القواعد التحريرية المتعارف عليها، فإن كثيرًا من المضامين التي تبثها صحافة المواطن تمثل تهديدًا للصحافة كمهنة وللقواعد المهنية المعمول بها في الإعلام، لأنه يسمح لكل مواطن أن يصبح صحفيًا يجمع الأخبار ويحررها وينشرها بغض النظر عن مصداقيتها، وجودة صياغتها؛ ما يخلق واقعًا فوضويًا لتداول الأخبار والمضامين وربما الشائعات.

الكارثة الأخطر، تتمثل في لجوء بعض المحررين المبتدئين للسير على نفس الأنماط والقوالب والصياغات التي يستخدمها المواطن حال قيامه بتحرير تقرير، أو خبر.. الأمر الذي أدى إلى هبوط حاد في مستوى المهنية لدى هؤلاء، وبالطبع في المواقع الإلكترونية بشكل عام.

من هنا حاولت بعض الصحف والفضائيات احتواء هذه الإمكانيات، ومصادر المعلومات، والاستفادة منها من خلال استخدام بعض الأخبار والأفلام التي يجمعها مواطنون وبثها، وهو ما أدى عمليًا إلى اعتراف الصحف والمؤسسات الإعلامية بإعلام المواطن كأحد مصادر الأخبار والأحداث، جنبا إلى جنب مع شاغلي الوظائف المهنية كالصحفيين الذين قضوا سنوات من الدراسة والتدريب، وعانوا مشقة البحث عن مؤسسة تقتنع بقدراتهم، وتوجوا كفاحهم بالانتماء إلى نقابة الصحفيين، أو الإعلاميين، باعتبار ما سيكون.

وكثيرا ما نرى الفضائيات والمواقع وربما الصحف الورقية، وقد اقتبست بعضا مما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما "فيس بوك"، من صور وفيديوهات، وبرفقتها التعليقات الخاصة بها، وتحقق نسبا عالية من المشاهدات والتوزيع، وكثيرا ما تكون هناك ردود أفعال إيجابية من قبل المسئولين والجهات التنفيذية على الحدث الذي عبرت عنه الصور أو الفيديوهات، وتستفيد منه الجهة الإعلامية والصحفية الرسمية.. وبهذا يدخل صاحب الصور أو الفيديوهات إلى عالم صحافة المواطن دون إرادة مسبقة منه، ويحقق ما لم يحققه الصحفي العادي، الذي درس الإعلام، واحترف المهنة.

على سبيل المثال، نشر "فيس بوك" فيديو لواقعة تعذيب أطفال في أحد دور الأيتام، ونشره أحد المواقع الإخبارية، ثم تداولته الفضائيات في برامج "التوك شو" المسائية، وانقلبت الدنيا، وتدخلت الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، وقطاع الأمن المختص بالإنترنت، وتم التوصل إلى تلك الدار والمشرف عليها، وأحيل للنيابة العامة، وأثبتت التحقيقات إدانته، وفي المحكمة المختصة نال حكما بالسجن.. ولو أن صحفيا محترفا هو الذي قام بذلك لنال أرفع الجوائز الصحفية.

وقبل سنوات، وأثناء المحاكمات الشهيرة لرموز حكم الرئيس الأسبق مبارك، قام مواطن بالتقاط بعض الصور غير واضحة المعالم للمهندس أحمد عز، أمين عام الحزب الوطني "سابقا"، لحظة ترحيله إلى السجن الاحتياطي، ونشرها على موقع التواصل الاجتماعي، وتداولتها المواقع الإلكترونية، والبرامج، والصحف الورقية في اليوم التالي، وحققت معدلات مشاهدة ومبيعات غير مسبوقة.

وغيرها كثير.. فقد انتشر على موقع "يوتيوب"، الذي تأسس في 14 فبراير 2005، العديد من البرامج ذاتية التمويل والفكرة والتطبيق، وبعضها ينافس البرامج الاحترافية، وربما يتفوق؛ لدرجة أن إعلاميا احتل مكانة مميزة في فترة حكم الإخوان، هو باسم يوسف، كانت انطلاقته من "يوتيوب".

من هنا يتضح أن إعلام المواطن هو نوع من الصحافة أو الإعلام البديل القادر على حل مشكلات الصحافة في العالم وضمان استقلالها، فهو إعلام تشاركي تفاعلي حقيقي، وعابر للحدود القومية والاختلافات الثقافية. والمتحمسون له يعتقدون بقوة أنه سيحل محل الإعلام التقليدي.

ومن جانبنا، فإننا نرى أنه يمكن أن يسير بالتوازي مع الإعلام التقليدي، الذي يحتويه، ويرشد خطواته، ويحسن من صوره وأشكاله، ويستفيد الإعلام التقليدي من نظيره الشعبوي في تطوير الأداء، وإلقاء الضوء على مناطق الألم في الشارع، ونقاط القوة في الواقع، والتركيز على نبض الناس، والتعبير عن تطلعاتهم، وتصوير معاناتهم، وإبراز أفكارهم.

أيضًا يمكن الكشف عن مواهب ربما ضلت طريقها، ولم تتمكن من الدراسة الأكاديمية، وصقل الموهبة، واحتراف المهنة، أو ربما يكون بعضهم باحثين عن الاحتراف، وعلى إدارة الصحيفة أو القناة إفساح المجال لهؤلاء.

وتحقيق صيغة للتعاون والمشاركة بين إعلام المواطن والإعلام التقليدي يتطلب من الطرفين تقديم تنازلات، وتعلم مهارات عدة، لعل في مقدمتها بعض قواعد العمل الصحفي الخاصة بتحري الدقة قبل النشر، والتصوير المتقن للفيديو والفوتوغرافيا، وإجادة إجراء الحوارات، والصياغة والتحرير الصحفي، مع احترام قوانين حماية الخصوصية والملكية الفكرية، وكفالة حق الرد للمنتقدين، إضافة إلى التزام قواعد ومدونات سلوك في التغطية الإعلامية، وفي المقابل على الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية التنازل عن بعض الامتيازات؛ لأن المواطنين والمدونين قد يشاركونهم هذه الامتيازات والمخاطر، ما يتطلب توسيع دائرة الحماية.

ولا بد أيضًا أن يتعامل الإعلاميون المحترفون باحترام وندية مع المواطنين الصحفيين والمدونين ونشطاء "فيس بوك" و"تويتر"، وكذلك "يوتيوب".
الجريدة الرسمية