رئيس التحرير
عصام كامل

قبل أن ينفد صبر المصريين!


ليس لدى رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين، ما يقدمه للمصريين في زيارته المرتقبة منتصف هذا الشهر، أكثر مما قدمه وزير الري الإثيوبي سيليشي بقلي منذ أيام.. أكد الوزير أن عدم التوصل إلى اتفاق مع مصر بشأن سد النهضة لن يعطل بناءه!

وحمل الوزير الجانب المصري مسئولية فشل المفاوضات، وأضاف أن أكثر من ٦٣٪ من أعمال بناء السد اكتملت، ولن تتوقف ولو لدقيقة واحدة، وأن موقف بلاده من هذا الأمر ثابت، باعتباره حقا أساسيا لها في الاستفادة من مواردها المائية، في إنتاج الطاقة من أجل التنمية والقضاء على الفقر.. ولن نتفاوض على اتفاقيات لم نكن طرفا فيها! فما الذي يمكن أن يضيفه رئيس الوزراء الإثيوبي، في زيارته لمجلس النواب أوضح من ذلك!

قبل أن يعلن الوزير الإثيوبي موقف بلاده الذي يحمل مصر مسئولية فشل المفاوضات، عقد بالقاهرة الشهر الماضي الاجتماع ٦٧ لأعضاء اللجنة الثلاثية لسد النهضة، وراهن الوفد المصري على حسن نوايا الجانب الإثيوبي، وقبوله التقرير الذي أعده الاستشاري الفرنسي كخطوة للتوصل لاتفاق حول ملء وتخزين سد النهضة، بما لايؤثر على معدلات تدفق المياه في مجري النيل الأزرق.. وعدم إلحاق الضرر بالسدود المقامة على مجري النهر.

وربما كان رهان الوفد المصري على حسن نوايا إثيوبيا وراء التصريحات الصحفية المتفائلة التي نسبت إلى مصادر مطلعة، وتشير إلى قرب التوصل إلى حل يرضي أطراف النزاع، ويحقق مصالحهما جميعا.

والحقيقة أن المفاوض المصري لم يفقد ثقته في إمكانية التوصل لاتفاق مرض، عبر الحوار الجاد مع إثيوبيا، مستندا إلى أن مصر لم تطالب بأكثر من نصيبها المقرر في مياه النيل، والذي تحدده الاتفاقيات الدولية، وإلي أن إثيوبيا تدرك أنه ليس بمقدور المصريين التنازل عن تلك الحقوق، لأن ذلك يعني التنازل عن حق الحياة، وأن مصر أعلنت أكثر من مرة على لسان رئيسها أنها تساند إثيوبيا في التنمية، واستخدام المياه من أجل تحقيقها.

وربما تفسر تلك المواقف إسراف الجانب المصري في التفاؤل، وتغليب حسن النوايا على العوامل التي أدت في نهاية المطاف إلى أن يعلن وزير الري المصري لأول مرة أن المفاوضات فشلت، ويحمل إثيوبيا المسئولية كاملة.

وقد وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي رسالة واضحة لإثيوبيا عقب فشل الاجتماع الثلاثى بالقاهرة بأنه لا أحد يستطيع المساس بحق مصر في مياه النيل، والرسالة لم تكن موجهة لإثيوبيا وحدها إنما لطمأنة المصريين الذين كاد صبرهم ينفد من مماطلات الطرف الإثيوبي طوال فترات التفاوض، التي طالت بينما بناء السد يجري على قدم وساق، ما يكشف عن سوء النوايا.. والإصرار على الانفراد بالتحكم في مياه النيل.. وتجاهل حقوق مصر التي تحددها الاتفاقيات الدولية.

فماذا يمكن أن يضيف رئيس الوزراء الإثيوبي في زيارته القادمة لمصر بعد التصريحات التي أدلي بها وزير الري الإثيوبي، ومواصلة بناء السد قبل التوصل إلى اتفاق يرضي أطراف النزاع.

لقد تأخرنا في إثارة ملف نهر النيل طويلا، واختيارنا أسلوب الحوار مع إثيوبيا لا يتعارض مع اللجوء إلى المنظمات الإقليمية والدولية.. اليوم.. وليس غدًا، ويكفينا الوقت الضائع في مفاوضات لم تسفر عن نتائج إيجابية.. بينما السد يرتفع.. والبناء لايتوقف.. دون أي اعتبار لحقوق مصر.. وما تعنيه مياه النيل لشعبها.
لم يعد بمقدور المصريين تحمل المزيد من المراوغة الإثيوبية.
الجريدة الرسمية