رئيس التحرير
عصام كامل

قائد المراجعات بسجن الفيوم: «الإخوان» يشكلون الغالبية من أبناء التيارات الإسلامية بالسجون

فيتو

  • الإخوان «ضربونا» بسبب المراجعات.. والمرشد ورجاله مغيبون عن الواقع
  • بعد دخولي السجن سألت نفسي هل الأزمة «محنة أهل الحق» أم الثمن الحقيقي لـ«أخطاء الإخوان»
  • المراجعات «مكتوبة» وتضم ثلاث شرائح تترتب بشكل هرمي وكل واحدة أكبر من التي قبلها
  •  استعنا بالتجربة القطرية في حل التنظيم الإخواني ذاتيا.. واستلهمنا فكر رئيس حكومة المغرب في نقد التجربة الدينية

كان حوارًا مخصصا للكشف عن الكثير من الحقائق حول روايات فاض الحديث وأزُيد من الشعر أبياتا عن أساطير تجرى بشأنها، كيف تتصرف قيادات الإخوان داخل السجون، من يدير القرار الإخواني؛ الداخل أم الخارج يمتلك السيطرة على مقاليد الأمور، ماذا عن موقفهم بشأن المراجعات التي تصاعدت وتيرتها وعلا صوتها؛ ضيف «فيتو» عماد على، قائد مراجعات الإخوان بسجن الفيوم، قلب الطاولة ودحض الكثير من القناعات استقرت من كثرة تداولها بوسائل الإعلام المختلفة، وعلى منصات التواصل الاجتماعي في مقاربات لا تختلف كثيرًا، كشف الأبعاد الحقيقية لفكر الإخوان، وحقيقة أوزانهم على الأرض، وإلى سياق الحوار:

◘ بداية ضع لنا بطاقة تعريف عنك.. مؤهلك.. عملك.. متي وكيف دخلت وخرجت من السجن ؟
انا ليسانس حقوق 2004 ماجستير القانون العام 2013، واعمل محامي بالهيئة العامة للأبنية التعليمية، دخلت السجن في مايو 2016 وخرجت منه في سبتمبر 2017 بقضية الانضمام لجماعة محظورة، والتعدي على كمين شرطة، وصدر حكم بالبراءة من هذه التهم بتاريخ 14/9/2017.

♦ تقول أنك انضممت للإخوان وأنت في سن صغيرة نسبيًا.. لماذا الجماعة وليس غيرها من التيارات الدينية الأخرى؟
يهتم الإخوان بالشباب وخاصة الطلبة من المرحلة الإعدادية حتى الجامعية، ويعتبرونهم من أهم روافد الجماعة، ويرون هذه السن هي الأنسب من حيث إمكانية الانضمام للجماعة؛ برأيهم لايزالون في هذه السن بطور التكوين من الناحية الفكرية والروحية، وبالتالي يسهل التأثير فيهم، ووضعهم في القالب الذي تريده الجماعة، وبالنسبة لي كان الإخوان هم الفصيل المتواجد بقوة في المحيط الذي كنت أعيش فيه تلك الفترة من عمري، ولأن نشاطهم منصب في الأساس على الطلاب، فقد تعرفت على أنشطتهم وشاركت فيها مع عدم علمي في البداية بأنهم الإخوان المسلمون، ولكنه كان عموما نشاطا وقتها لا يزيد عن الدعوة للالتزام الديني وتأدية العبادات وعمل الخير.

♦ كيف بدأت عملية التحول الفكري عن الإخوان؟ وهل بدأت داخل السجن أم قبلها والمحنة زادتك يقينيا بضعف مبدأ الجماعة؟
الأحداث التي وقعت بعد 3/ 7/ 2013 والأزمة الكبيرة التي دخلت فيها الجماعة على إثرها، وكنا وقتها ضمن أفرادها أحدثت صدمة حقيقية، وخلقت الكثير من التساؤلات عند البعض، حول الأسباب التي جعلتنا نصل لما وصلنا إليه؛ بعد دخولي السجن ازداد إلحاح تلك الأسئلة التي تبحث عن إجابات لمعرفة هل هذه الأزمة تعد محنة يصاب بها أصحاب الدعوات وأهل الحق، أم أنه هناك أخطاء ارتكبها الإخوان أوصلتهم لهذا المصير؟.

♦ وإلى ماذا توصلت؟
بعد بحث كثير وتفكير عميق توصلنا إلى وجود أخطاء كثيرة قام بها الإخوان، ترتب عليها أن ما حدث كان نتيجة حتمية لتلك الأخطاء، ولم يقف الأمر عند حدود تقييم أداء الإخوان وممارساتهم السياسية، بل تعداه إلى اكتشاف وجود خلل في نظرية البنا ومشروعه الرئيس، وأفكاره المؤسسة لجماعة الإخوان، والذي نرى أنه مشروع يتميز بصفتين أساسيتين، هما أنه مشروع صدامي بالإضافة إلى أنه غير قابل للتحقيق على أرض الواقع؛ وكل ذلك كان كفيلا باتخاذ قرار المغادرة بشكل نهائي.

♦ كيف بدأت في عملية المراجعات داخل السجن ومن كان صاحب فكرتها؟
لم يعجب بعض السجناء طريقة تناول الإخوان في السجن للأحداث، ولا طريقة تقييمهم لها، وإرجاعهم السبب الوحيد فيما حدث لنظرية المؤامرة التي يلبسونها بلباسِ ديني، لإقناع الناس أن هذا صراع ديني بين أعداء الإسلام وبين الجماعة التي تريد تطبيقه، لذا بدأنا الحديث بيننا عن أخطاء ارتكبها الإخوان وتسببت في هذه النتيجة، وبالطبع لم تعجب هذه اللهجة قيادات الإخوان، ولم يستجيبوا لمن يطالب بمراجعة حقيقية للمواقف والأفكار، وبالتالي استكمل هذا البعض المراجعات بشكل فردي.

♦ على ماذا اشتملت محاور المراجعات ؟
المراجعات تضم ثلاث شرائح: الأولى: فريق البحث وتضم الأشخاص الذين بدءوا البحث عن أسباب الخلل التي أدت إلى ما وصل إليه الإخوان، وذلك بتقييم أداء ومواقف الإخوان السياسية، وأيضا مراجعة الأفكار الرئيسية التي تقوم عليها الجماعة والاطلاع على وجهات النظر الأخرى لمفكرين فندوا أفكار البنا بشكل موضوعي، والثانية: مجموعة فهمت هذه الأفكار واستوعبتها جيدا، والثالثة : رأي عام مساند يرى أن ما حدث كان بسبب أخطاء الإخوان بشكل رئيسي، وتترتب هذه الشرائح بشكل هرمي كل شريحة أكبر من التي قبلها.

♦ هل وجدت تسهيلات من الدولة في إجراء مثل هذه المراجعات؟
في البداية عندما علمت الأجهزة الأمنية بوجود مراجعات في السجن بحثت عن القائمين عليها، وعندما تأكدت من جديتها وأنها ليست مناورة للخروج من السجن، تفاعلت معها بشكل جيد.

♦ من تحديدا استندتم فقهيا إليه في مراجعة نصوص المراجعات؟
أكثر المفكرين الذين كان لهم الدور الأكبر في التأثير علينا خلال مراجعة تلك الأفكار، الدكتور جاسم سلطان، وهو قطري ولكنه صاحب تجربة رائدة في حل التنظيم الإخواني بقطر ذاتيا، وكذلك الدكتور سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية الحالي، وهو أيضا صاحب مؤلفات متميزة في نقد الأفكار الدينية للإخوان وغيرهم، إضافة إلى آخرين، بالطبع.

♦ حدثنا عن هذه المراجعات.. هل هي مكتوبة وهناك أطراف أخرى من السلطة التنفيذية شاهدة عليها أم شفوية فقط؟
هناك كتابان صدرا لاثنين من فريق البحث؛ الأول كتاب (الصدمة.. بقلم متساقط على طريق الدعوة) من تأليف حمزة محسن، والثاني كتاب (الخروج من سجن الجماعة) من تأليف عمرو عبد الحافظ، والكتابان قيد النشر، وهناك كتاب آخر يتم الإعداد فيه، بالإضافة للعديد من المقالات التي نشرت في عدة مواقع.

♦ ومتى علم قيادات السجون بإجراء تلك المراجعات؟
المراجعات بدأت قبل الإعلان عنها بعامين، وطوال هذه الفترة كان الجميع يعلم بأن هذه المجموعة غير راضية عن أداء الإخوان، وكنا نقوم ببعض الأنشطة الثقافية مثل "منتدى الوعي" الذي كنا نعقده أسبوعيا لنناقش فيه كل هذه الأفكار، وكان يجد تفاعلا من عدد كبير من السجناء، ولكن منذ أن نشرنا بيانا في أحد المواقع الإلكترونية بتاريخ 10 / 7 / 2017 نعلن فيه عن موقفنا من الصراع القائم بين النظام والإخوان، وأنهم ارتكبوا أخطاء كان لها نصيب كبير في الوضع القائم، وأننا لم نعد جزءا من هذا التنظيم بشكل رسمي، من هنا بدأ الإخوان يستشعرون الخطر من هذه الخطوة، لأنهم يدركون أنها قد تتسبب في تفتت وانشقاقات كثيرة في صفوف الجماعة، خاصة أنه ليس لديها خطاب عقلاني واقعي يرد على أعضائها، ويبرر الأزمة التي يمرون بها ولا يوجد لديها إلا خطاب ديني عاطفي يصور الموضوع على أنه صراع بين الحق والباطل.

♦ وماذا كان رد فعلهم؟
تمت مواجهة هذه المراجعات بعدة وسائل، قبل الإعلان بشكل رسمي عنها استعملوا معنا أسلوب الاحتواء؛ وذلك بمحاولة إقناعنا بضرورة "وحدة الصف" وأن الوقت ليس وقت مراجعات وفتح جراح، ولكن يحتاج إلى التكاتف والتوحد فيما بين الإخوان وهكذا، أيضا استعملوا أسلوب التهديد مع المتعاطفين معنا والمشاركين في الأنشطة التي نقوم بها، وتحذير من الجلوس معنا أو المشاركة في أي نشاط حتى لا يتم إجراء عملية "غسيل مخ " لهم، ثم بعد الإعلان عن المراجعات استعملوا معنا أسلوب التشويه المعنوي والتشهير، ثم أخيرا محاولة إبعادنا بإخراجنا من عنبر المساجين السياسيين نهائيا، كي يستريحوا من هذا الصداع.

♦ هل بالفعل تم التعدي عليكم بالأيدي داخل السجن من أنصار الإخوان؟
نعم تم الاعتداء بالأيدي علينا من قبل بعض الشباب أكثر من مرة، وبترحيب ورضا من الكثير من القيادات.

♦ معارضة إجراء مراجعات كان من الإخوان وحدهم أم من باقي تيارات الإسلاميين؟
بالعكس كان معنا أعضاء بالجماعة الإسلامية، وقيادات رحبوا كثيرا بما قمنا به.

♦ أي التيارات الإسلامية الأخري داخل السجن بدأ أفرادها في عمل مراجعات أيضا أو تراه أقرب للبدء فيها ؟
لا يوجد بالسجن تيارات إسلامية كثيرة، الإخوان يشكلون الغالبية العظمى، وبعض أبناء الجماعة الإسلامية، والبعض من تنظيم داعش، بالإضافة إلى مستقلين مؤيدين للإخوان، ولكن لا ينتمون تنظيميا لها، وبالنسبة للجماعة الإسلامية فهي كما ذكرت سابقا، أما داعش فكانوا منعزلين عنا، أما الإخوان فمنهم من كان مقتنعا بأفكارنا ومنهم من كان يرفضها.

♦ ما الذي يدور في عقل الإخوان داخل السجون حول طبيعة المرحلة؟
الإخوان في حالة يرثى لها حقا، فهناك شباب وجد نفسه مرة واحدة في أتون صراع لا يعرف لماذا دخل فيه، ولا كيف سيخرج منه، تتراقص أمام عقله أسئلة كثيرة لا يجد لها إجابات، ثم يسمع كلام قيادات دأبت على أن تخدر عقول أتباعها بخطاب عاطفي قائم على إظهار النفس في أنقى صورة متهما الجميع بالتآمر عليه، ويصور كل ما تتعرض له على أنه نتيجة حتمية لصراع الباطل أمام الحق الذي يمثلونه، فيسكن قليلا ثم ما يلبث نتيجة لسوء الوضع الذي يعيشه أن تلاحقه الأسئلة والشكوك مرة أخرى، وهكذا يظل يدور ما بين يأس من واقع متأزم لا يجد له حلا، وبين أمل بانفراجة تأتي دون أسباب ولا مقدمات.

♦ كم تبلغ في رأيك نسبة إدراك القيادات داخل السجون لما يجرى خارجها؟
القيادات في السجون مثل القواعد لا يملكون من أمرهم شيئا، يدركون صعوبة الواقع، وينتظرون حلا ليس لهم دخل فيه

♦ من برأيك صاحب التأثير الأكبر على في الآخر حاليًا في توجيه مسار الجماعة.. قيادات السجون أم الإخوان خارجها؟
القيادات ليس لهم أي دور أو مشاركة فيما يحدث في الخارج، هم يرددون فقط الكلام الذي يأتي إليهم.

♦ معنى حديثك أن نسبة مشاركة قيادات الجماعة بالفعل في إدرة القرار الإخواني من داخل السجن تكاد تكون منعدمة؟
الإخوان أنفسهم لا يدرون ماذا سيفعلون غدا، هم يعيشون حالة من التخبط وعدم وضوح الرؤية.

♦ أخيرا.. هل ستشارك الجماعة في انتخابات الرئاسة؟
لا.. لا أظنهم سيشاركون في تلك الانتخابات بأي شكل.
الجريدة الرسمية