الحرب ليست على الأبواب!
السؤال المنطقي متى تشتعل الحروب؟ الإجابة المعروفة أن الحروب تشتعل عندما تغلق كل طرق الوصول للحقوق بوسائل أخرى غير الحرب.. بعدة شروط هي تقارب القوى العسكرية أو توازنها أو وجود تفوق ساحق من إحداها على إحداها وبما يغري بالحرب وأن يكون للحرب أولوياتها القصوى عن غيرها.. الفلسطينيون يشعرون بالظلم، وهذا حقيقي لكنهم لا يملكون للأسف القدرة على الحرب على العدو الإسرائيلي.. ولسوريا أولوياتها الآن عن تحرير الجولان إذ الأولوية- طبعا- هي الإبقاء على سوريا نفسها واحدة موحدة ومنعها من التفكك ومن التفكيك.. والخليج باتت أولوياته إيران وليس العدو الإسرائيلي..
أما مصر فقد أدركت بالتجربة القصة كلها وهي تعرف أن العدو الإسرائيلي عدوها الأساسي وأن كل الأعداء الآخرين من العصابات الإرهابية وبعض دول المنطقة ليسوا إلا أدوات لها وإن ما يخيف هؤلاء ليس السلاح الذي نشتريه أو على الأقل ليس السلاح الذي نشتريه وحده.. إنما يخيفهم أكثر أن نصنع بلدا متقدما.. متقدم علميا واقتصاديا ومتماسك اجتماعيا وهم يعرفون عزيمة المصريين إذ رغم حروب 56 و67 كانت مصر حتى سنة 1970 تتفوق على كوريا الجنوبية -خامس أقوى اقتصاد في العالم الآن- بل إن الرئيس "باراك هي" جاء بنفسه لدراسة تقدم مصر عام 1962 بمناسبة مرور 10 سنوات على ثورة يوليو.. وهي القصة التي رواها الرئيس السيسي في إحدى خطبه.. بينما بعد 44 عاما بالتمام والكمال على آخر الحروب نجد أن دولا كثيرة ولم تكن موجودة أصلا على أي سلم للتنمية مثل تايوان وسنغافورة إذ كانوا عام 1962 خارج أي تصنيف!!
الخلاصة أن عزيمة الشعب المصري كبيرة وقدرته على استنهاض همته مرتفعة جدا بشرط وجود قيادة تفعل لك وكانت القيادة موجودة في التجربة الأولى في الستينيات رغم الحروب وها هي القيادة الثانية التي تسعى للنهوض بمصر ولأنهم استخدموا العدوان المباشر عام 67 لوقف التنمية المنطلقة كالصاروخ وأدت إلى نهضة تصنيعية كبرى ومعدلات مرتفعة في التعليم والصحة واستيعاب الزيادة السكانية- كل ذلك مثبت بالأرقام من مؤسسات محلية وإقليمية ودولية معتبرة وذات شأن- الآن يعيد التاريخ نفسه ويحاولون إفشال التجربة الحالية بأي طريقة..
استخدام الإرهاب وزرع الإحباط والفشل والتشكيك في وطنية القيادة المصرية وضرب مصادر الاقتصاد المصري من السياحة وقناة السويس وغيرها وتسفيه الإنجازات والمبالغة في المشكلات وكل ذلك لو فشل سيلجأون للحل العسكري وهذا لن يكون قبل عشر سنوات على الأقل.. إن نجحنا كما نريد منعنا أي عدوان.. وإن نجحت خطة إفشال مصر لن يحتاجوا للعدوان المباشر فلا أحد يتآمر على فاشل أو عاجز أو ميت!
ولذلك.. مصر تدرك كل ما يحاك ولن تنجرف إلى أي فخ ينصب لها، وذلك أيضا دون التخلي عن ثوابت السياسة المصرية.. ولذلك أخيرا فكثيرون ممن يتباكون على حال الفقراء في مصر لا يقولون لنا كيف سيكون حالهم إن دخلت مصر حربا تنهي ما تم من مشاريع وتوقف الباقي وترفع ديوننا عشرة أو عشرون مليار دولار جديدة؟! هؤلاء لا يدافعون عن الفقراء ولا عن مصر ولا عن القدس الشريف بل مفوضون رسميون من الشيطان الأعظم للإضرار بنا وبالمنطقة كلها!
ملحوظة: لا نخيف الناس من الحرب.. إطلاقا.. فصناعة جيل جديد شجاع وواعِ وجاهز لكل الاحتمالات لا ينبغي لنا أن نفعل ذلك وأن نقع في جريمة الإعلام طوال أربعين عاما وتسبب في ظهور أجيال المتحرشين والغشاشين جماعيا والمتخنفسين وساقطي وممزقي الملابس.. لكن هناك من ينسى في آخر المقال أوله.. ومن نسى المقدمة له أن يعيد قراءتها!