ع القدس رايحين بهاليل بالملايين!
كانت ليلة عصيبة بحق، النساء تركن غسيل الصحون، والرجال طلبوا المزيد من أحجار المعسل والسحلب على المقهى، الكُل انشغل بتغيير صورته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى صورته داخل إطار مكتوب عليه القدس لنا، أو تحرير الأقصى، مع المزيد من صب اللعنات والسباب على رءوس أمريكا وإسرائيل وتمني زوالهما من على خريطة العالم؛ لتستطيع كُل سيدة مُحترمة أنها تقوم تغسل الصحون وهي مُطئمنة أن العالم صار أفضل، وليهنأ كُل رجُل بحجر المعسل ويشِد جامد!
بعض الأكاديميين من النخبة وأصحاب التعليم العالي والفكر المُميَّز خارج صندوق الطرد اقترحوا القيام بحملة لمُقاطعة البضائع الأمريكية، الاقتراحات تم تداولها على نطاق كويس عبر مواقع التواصل الاجتماعي كذلك، وأدت بصراحة للمزيد من إهمال الصحون في الحوض، حتى بعض أحجار المعسل اتأخرت عن زبائن المقهى، لأن مسئول التهوية على الفحم كان مشغولًا لوهلة بمراجعة جنسية المعسل والفحم، ويا ترى هيكونوا ضمن المُقاطعة أم لا؟ المُشكلة الصغننة خالص في هذه الدعوة النخبوية العبقرية الحاذقة هي أن استخدام مواقع التواصل نفسها بهذا الشكل المُفرط - المُعتاد عندنا-هو أكبر دَعم للاقتصاد الأمريكي والإسرائيلي، يعني الحكاية مش بس في البيبسي والكولا والبرجر والروثمانز والڤياجرا!
والحق يُقال إن الكثيرين لن يناموا للظهر أو العصر اليوم بعد هذه الليلة المُرهقة، فسيستيقظ الآلاف مُبكرين من النجمة للمُسارعة بحجز أماكنهم في طوابير السفارات الأمريكية في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، وطبعًا في القاهرة، وذلك للتقديم في قرعة الهجرة إلى بلاد اليانكي، وأرجوك متنساش تعمل بحث صغير على جوجل كده عن عدد المصريين العاملين في إسرائيل، والمتزوجين من إسرائيليات، مُعظمهم مصريين مُسلمي الديانة، وكُلهم ولادهم أصبحوا يهود رسميًا، لأن القانون هناك يحتم أن يحمل الطفل جنسية أمه وديانتها غصب عن أبوه، فمن فضلكم يا جماعة سلموا على أمهاتكم!
حتى بتوع ربنا وقال الله وقال الرسول والمُناضلين كُلهم حبايب أمريكا، وبيجروا على هناك ويسجدوا على أرضها الطاهرة وياكلوا بيتزا زي الإرهابي ابن الإرهابي سلسيل عائلة الإرهاب (محمد سلطان) مثلًا، الناس دي بتلعن أمريكا وتقول علنًا إنها سبب الشرور علشان تبيع هنا للمساكين، وبعدين يروحوا يعيشوا هناك وياخدوا مُكافآت استمرار الخدمة لا نهايتها، لأنهم بيخدموا هناك وهنا وفي كُل مكان والبركة في العالم الذي أصبح قرية صغيرة بفضل الحبل الملفوف حول أعناقنا جميعًا والمسمى بالإنترنت!
فهذه هي أمريكا الشيطان الأعظم والمحبوب الأفضل على طريقة (صلاح جاهين) في حُبه لمصر ـ الله يرحمه كان طموحه قليل وإلا كان أحب أمريكا زيُهم واتنصف وأكل بيتزا ـ بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء، وأكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء، وطبعًا عشقهم هو عشق المصلحة، لأنهم قوم لا يعترفون بأوطان ولا حدود ولا حتى دين، وبيرتضوا بأن يحكُمهم ماليزي، وكمان بيعتبروا (شيمون بيريز) صديق عظيم زي دلدول الجماعة ما قال، لكن في وقت الزيطة كُله بيزيط وع القدس رايحين بهاليل بالملايين!
البهاليل لم يذهبوا للقدس إنما تفرَّغوا لاعتصام رابعة، ولقتل المصريين، وللاعتداء على الجيش المصري في سيناء، ومعاهم حماس وأنصار بيت المقدس، وكُلهم عشم إنهم يخلصوا على جيش مصر بعد الضربة القاصمة التي وجهوها لشرطتها وفتحوا سجونها، مش علشان يستديروا ويحرروا الأقصى بقى ولا يشوفوا فلسطين عاوزة إيه، لكن علشان يغسلوا الصحون ويطلبوا حجاير معسل هُما كمان، والشاطر منهم اللي يقدر يطير على أمريكا وياكُل بيتزا هناك بعد ما يسجد ويبوس ترابها الطاهر زي الإرهابي (سلطان)!
زمان كُنا نلعن إسرائيل وهي تقتل في الفلسطينيين الذين انشغلوا كثيرًا عبر التاريخ بالاقتتال بينهم وبين بعضهم كأنهم ناقصين بلاوي، وبينهم وبين اللبنانيين، والأردنيين، وكمان قتل أستاذنا المرحوم (يوسف السباعي) لأنه كان مع (السادات) الله يرحمه في زيارته لإسرائيل، وهي الزيارة التي أثبتت عبقرية الرئيس الراحل عندما أكد أن كُل أوراق اللعبة في يد أمريكا دون غيرها في عالم بقطبين ـ مظهريًا ـ آنذاك لا بقطب وحيد القرن كما هو الآن، ونجح في الحصول على حق بلاده، واتحايل عليهم ياخدوا حقوقهم فرفضوا، وأهم الآن بيتسوَّلوا نصف هذا الحق بلا جدوى!
المُهم كُنا نلعن الإسرائيليين ونستمع للغضب الساطع آتٍ بالنهار، والمغرب نسمع جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنما يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سما، ونقعد بالليل نزبط الأرايل والمصافي مش علشان نوصَّل شعاع النور لأبعد سما طبعًا، لكن علشان نلقط القنوات الإسرائيلية ونشوف مشاهد إباحية لو أمكن في أيام مكانش الدش لسَّه اتوجد ولا الإنترنت طبعًا، لأننا كما تقول الأغنية: كُلنا بوشين يا عيني كُلنا جوانا اتنين، بننام بالليل ملايكة ونصحى شياطين، أما النُخبة والمُعارضين والفنانين بتوع ثورات الربيع العربي زي (خالد أبو النجا) اللي عايز يعمل ثورة في المُطالبة بأحقية الجنس التالت في الحصول على حقه في زيت التموين علشان العملية متنشفش وتزعجه فكُلهم يسب أمريكا ويتهمها بأنها سبب البلاوي علنًا، ثم يطير إليها علشان يصيِّف ويبحث عن عمل، ويخلي مراته تولد هناك علشان ابنه ياخُد الجنسية الأمريكية حسب القانون، والواحد منهم بيغني لأمريكا ياللي صورتِك جوَّة قلبي وmy eyes ابقي خلينا في بالِك sometimes!
الأنقح من أن كُل مَن تابع ما قبل الحدث مُباشرةً وما بعده كمان كان يشوف أخبار تؤكد أن الفلسطينيين يستعدوا بتسيير مظاهرات حاشدة تنديدًا بالقرار حال صدوره، طيب القرار طالع من أمريكا وهيتنفذ في القدس، بماذا تفيد المظاهرات في غزة أو الضفة أو العياط أو صفط اللبن؟ طيب فين حماس وسلاحها وتدريبها؟ أين اختفى حزب الله وملايين المُجاهدين أصحاب الشعار الإخواني الشفهي ع القدس رايحين شهداء بالملايين، وخيبر خيبر يا يهود جيش (محمد) سوف يعود؟ والأنكى من كُل هذا أن بدأت المواقع تتداول ڤيديو لطفلة فلسطينية تتوعَّد اليهود أن القُدس سوف يتم تحريرها، طيب إزاي؟ باللايك والشير؟ والله لو كده كُنا امتلكنا درب التبانة كُلها ومضغناها كمان!
إحنا غلابة أوي، وعندنا حالة حَوَل نضالي مستعصية، ولا نعرف شيئًا في الوطنية ولا فقه الأولويات، وبندمَّر أوطاننا وقضايانا بأنفسنا، وبنسيب الصحون تجيب صراصير في البيوت علشان نغيَّر صورة البروفايل، ونسب ونلعن في أمريكا وإسرائيل ونعمل ثورات ندمَّر بيها بلادنا لأننا أنانيين منعرفش من الثورة غير التخريب، منعرفش إنها وسيلة إصلاح، ولا نفهم معنى البناء، ونسخر من كُل محاولات التنمية، ومنحبش غير الصراع على السُلطة، وإطلاق الفتاوى الدينية والعلمية والسياسية والاجتماعية وكمان التاريخية، العيب فينا يا جماعة يا في حبايبنا -على رأي الست- أما الحُب يا روحي عليه، وأما إسرائيل وأمريكا فهُما بيشوفوا مصالحهم ومحدش يقدر يلومهم، فلو كان عندنا طاقة أو قدرة على اللوم كُنا استغليناها أفضل في إيه؟ أيون عليك نور.. في غسيل الصحون طبعًا!