رئيس التحرير
عصام كامل

صناديق القمامة ملاذ «عم أحمد» وزوجته لإسكات صرخات بطونهما (صور)

فيتو

لم يعد البحث عن الطعام في القمامة مشهدًا بفيلم سينمائي من خيال المؤلف، بل أصبح واقعًا مؤلمًا وقاسيًا نراه في بلادنا، وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار؛ ليجبر معدومي الدخل والفقراء، أن يصبحوا كقطط بشرية؛ للبحث عما يسد جوعهم، فلم يجدوا أمامهم سوى صناديق القمامة.


ففى عالمهم الموازي، يستيقظ عم أحمد الضرير ذو الشعر الأبيض، والوجه الشاحب المهموم، يرتدي جلبابه المرقعة المتهالكة، في الخامسة صباحًا؛ ليبدأ هو وزوجته يومهما الجديد، وهما يحملان فوق ظهورهما أجولة جمع الأكل من الأوساط المحفوفة بالروائح الكريهة والذباب والفضلات من القمامة.

وتكاد أن تخرج صرخاتهم من بطونهم خافتة، فلا تجد من يسمعها، وحتى إن سمعها أحد أغلق أذنيه؛ ليعود صداها إلى مستقرها مرة أخرى، ثم يقضون يومهم نهشا في الأكياس.

باتت أكوام القمامة هي مصدر رزقهم، وما يسد جوعهم، تغيب عنهما أبسط مرافق الحياة، حتى وجدوا أنفسهم يسكنون أوساط القمامة التي تغطي جانبي الشوارع.

يقول عم أحمد: «لم أجد طريقًا للعمل لم أسلكه، سافرت ورحت وجيت، ولكن لا اعتراض على أمرك يارب، الحمدلله».

عصفت به الحياة إلى قِبلة هو غير مُولِى لها، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد أن سافر للكويت في عام 1984، وعاش بها قرابة الـ8 سنوات، غزتها العراق، وتشرد في الشوارع، وعاد إلى مصر خاوي الجيب مفلسا.

وبدأت مأساته الكبرى بعد فقد بصره؛ بسبب خطأ طبي، يقول: «بعد 4 سنوات من عملي بالكويت بدأت أشعر بألم شديد بعيناي، مما اضطرني لإجراء بعض الفحوصات والتحاليل، وبسبب الأدوية الخاطئة، بدأت عيني تتقلص في الرؤية شيئًا فشيئًا»، وتابع: «أصبحت لا أرى إلا طفيفًا من شعاع الحياة».

وظلت الزوجة ذات الجسد النحيل على الدرب سائرة تكافح ضغوط الحياة، حتى عاد إليها زوجها ضريرًا، مما زادها عبئًا وهمًا أكبر، ولكن تكتلت رباط المحبة بينهما فغلبت همومهما، وبنظرات ثاقبة تخفي وراءها آلام السنين، تقول: «من قبل ما زوجي يسافر واحنا بنعاني في الحياة، ولما سافر قولت أهو هيغيب عني ويتغرب بس علشان ربنا يكرمنا مش مهم»، وتابعت: «لما رجع بعد الغزو وهو أعمى قولت الحمد لله ولحد دلوقت بنرددها، سيبنا المكان اللي كنا ساكنين فيه علشان مش معانا فلوس ندفع إيجار لحد ما بقينا على الرصيف، وادينا صابرين وراضيين بالمكتوب».

ومع دقات قلبها المحمل بالهموم، وانحناء ظهرها المثقل بالمتاعب وما تحمله من أجولة، وبصوت خافت النبرات ووجه طغت عليه التجاعيد، تقول: «حياتنا عايشينها في الشارع بناكل ونشرب من أي حاجة قدامنا في الزبالة، واحنا بندور على أي حاجة بلاستك أو خردة ينفع تتباع».
الجريدة الرسمية