قصة قانون الكونجرس الذي شرعن الاحتلال الإسرائيلي للقدس قبل 22 عاما
صدمة كبيرة فجرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتوقيعه على قرار يقضي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس المحتلة، كاعتراف رسمي من واشنطن بأن القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال.
وعلى الرغم من حالة الغليان التي أصيب بها العالم العربي والإسلامي إلى جانب بعض الدول الأوروبية مع إعلان رفضهم القرار الذي من شأنه أن يهدر حق فلسطين الذي تقع تحت وطأة الاحتلال من عام 1948، إلا أن الرئيس الأمريكي ضرب بكل التصريحات والإدانات عرض الحائط معلنا تنفيذ القرار الذي اتخذ داخل الكونجرس الأمريكي قبل 22 عاما، وذلك ما لم يجرؤ عليه أي رئيس أمريكي من قبل وكان الاكتفاء بإرجاء القرار لمدة 6 أشهر هو الطريقة الوحيدة للخروج من هذا المأزق الذي وقع فيه الرئيس بيل كلينتون مرورا بالرئيس بوش الابن وحتى نهاية ولاية الرئيس أوباما الثانية.
وصدق الكونجرس الأمريكي في 23 أكتوبر 1995 على قانون يسمح بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأعطى الحرية للرئيس بالتوقيع عليه لإقراره، فقد أعطي القانون الرئيس الأمريكي سلطة تأجيل تنفيذه لمدة 6 أشهر، وإحاطة الكونجرس بهذا التأجيل، وهو ما دأب عليه الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون منذ العام 1998.
ولم يفعل أي من الرؤساء بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما ذلك في فترات حكمهم، إلا أن الجديد هذه المرة هو أن الرئيس ترامب وقع على هذا القرار، المعروف باسم "قانون السفارة في القدس"، ليدخل حيز التنفيذ، وذلك في تحد للمجتمع الدولي الذي يعتبر القدس الشرقية محتلة حسب قرارات الأمم المتحدة.
ونص قرار الكونجرس بشأن القدس في العام 1995 على اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في موعد أقصاه 31 مايو 1999.
ومع توقيع الرئيس ترامب هذا القانون، يكون بذلك أول رئيس أمريكي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولتكون بذلك الولايات المتحدة أول دولة تقر بذلك رسميا.
القرار الأمريكي ليس فقط اعترافا رسميا من الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، بل تأكيد للاحتلال الغاشم لمدينة القدس ونزع هويتها العربية تماما ومحو ما قامت به إسرائيل من مجازر بحق العرب والانتهاكات الصارخة بحق المسجد الأقصى بعدما احتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وتعتبر المدينة بكاملها عاصمة لها، في مخالفة صريحة لمقررات الأمم المتحدة التي لا تعترف بسيادة إسرائيل على القدس بشكل كامل، والتي تضم مواقع إسلامية ومسيحية مقدسة.
وبالعودة إلى القرار الأمريكي، فلا بد من الإشارة إلى أن تصديق واشنطن على زعم إسرائيل بأحقيتها بكل مدينة القدس كعاصمة لها سيقضي على سياسة تنتهجها الولايات المتحدة منذ عشرات السنين، والقائلة بأن وضع القدس يجب أن يحدد من خلال المفاوضات مع الفلسطينيين، الذين يريدون القدس الشرقية عاصمة لبلدهم في المستقبل، بحسب ما تفيد مواقف عدة صادرة عن مسؤولين فلسطينيين.
اتخاذ ترامب لهذا القرار الذي وعد به خلال حملته الانتخابية الرئاسية العام الماضي، بنقل السفارة إلى القدس، يبدو عازمًا على إرضاء القاعدة اليمينية المؤيدة لإسرائيل التي ساعدته في الفوز بالرئاسة، وذلك على الرغم من أنه أكد سابقًا أنه يؤيد ما يتفق عليه طرفا النزاع، إلا أن قراره هذا قد يخرج جهود السلام التي يقودها صهره ومستشاره جاريد كوشنر عن مسارها.
وقرار الرئيس الأمريكي سوف يفتح الطريق أمام تشريع بناء إسرائيل لمزيد من المستوطنات بالقدس المحتلة، وذلك ما تقوم به دولة الاحتلال منذ عام 1967، حيث أقامت عشرات المستوطنات غير الشرعية وفق القانون الدولي في القدس الشرقية، لآلاف المستوطنين اليهود، في محاولة لتغيير ديموغرافية المدينة.