رئيس التحرير
عصام كامل

لهذا.. سنظل نكتب


كثيرون ممن يكتبون مقالات في الصحافة الآن– وأنا واحد منهم- محبطون، من أن أحدا لا يقرأ ولا يسمع ولا يستجيب، وأن كتاباتهم أصبحت أشبه بـ"حوار الطرشان" أو "من طرف واحد"، ولكن–كما يقول صديقى أسامة سلامة الحاصل بالإجماع على لقب "قديس الصحافة"– "المهم أن تقول ما تؤمن به وما يرتاح له ضميرك، حتى لو كان عدد من يقرأونه شخصا واحدا".


هذه مقدمة أراها ضرورية لما سوف أكتب عنه الآن، وتثبت أن كتاباتنا قد يكون لها– في أحيان كثيرة– صدى وتأثير كبير.

بعد أن كتبت مقالا عن نتائج انتخابات نادي "حدائق الهرم" وسقوط كل المرشحين الذين ينتمون بأى صلة أو لهم علاقة بجمعية تعمير صحراء الهرم المسئولة عن إدارة شئون الحدائق، كنت على يقين مسبق أن ما كتبته سيتسبب في "زعل" هؤلاء المرشحين ومسئولى الجمعية على حد سواء، لكننى كتبت ما أؤمن به وما ارتاح له ضميرى، فالكل يعرف أننى ليس لى مصالح مع أحد، وليس لى أي بيزنس أو "شلة"، ولم ولن أرشح نفسى في أي انتخابات ولا أطمع في أي منصب، وقلت إن السقوط الذريع يحمل رسالة مهمة لهم مفادها "لن نسمح لكم بدخول مجلس إدارة النادي، ويكفي أنكم جعلتم الحدائق أسوأ مكان يمكن أن يعيش فيه البشر".

والحقيقة أننى لمست حالة "العدوانية" من جانب أعضاء النادي، بل ومن غالبية سكان الحدائق تجاه كل ما له علاقة بالجمعية، ويؤكدون أن الكيل قد فاض وبلغ الغضب منتهاه، وطلبت في المقال من مسئولى الجمعية- وبعضهم من أصدقائى الذين أكن لهم كل احترام وتقدير- أن تكون نتائج انتخابات النادي درسا لهم يتعظون منه، وأن يدركوا أنه لا يبقى إلا السيرة والسمعة الطيبة، وعليهم أن يراجعوا حساباتهم ويصححوا أخطاءهم ويعملون لوجه الله والحدائق وسكانها، وليس لمصالحهم المادية والشخصية قبل فوات الأوان".

ويبدو أن هذا الكلام لقي صدى إيجابيا لدى بعض أصحاب الضمير اليقظ منهم، ودفعهم لمراجعة أنفسهم، وأظن أن ما فعله صديقى المحاسب محمود المنشاوى أمين صندوق الجمعية الذي لم يحالفه الحظ في انتخابات النادي على منصب أمين الصندوق دليل على ما أقول، فلدينا مشكلة مستعصية مزمنة في الصرف الصحى بالشارع الذي أقيم فيه منذ عامين، وطرقنا جميع أبواب حى الهرم والجمعية بلا أمل ولا حل، اتصلت بالرجل وأبلغته بالمشكلة وكذلك بمشكلة أخرى بوجود حفر كثيرة بنفس الشارع، فاستجاب مشكورا، واعتبر نفسه في مهمة حرب وأرسل لنا "لودر" لتسوية الشارع وأمر بحل مشكلة ماسورة المجارى المسدودة، ثم حضر بنفسه دون أن أطلب منه-لمتابعة الأعمال، وأعطى مسئولى الصرف الصحى بالجمعية المبلغ المالى المطلوب لشراء الماسورة المسدودة التي سيتم تغييرها فورا وكذك أجر "اللودر" الذي قام بأعمال تمهيد للطريق.
 المنشاوى عاتبنى بمحبة بسبب مقالى السابق، وعاتبته أنا أيضا بالطبع على عدم رده على اتصالاتى في السابق –أحيانا– بخصوص مشكلات تخص شارعنا وتخص الحدائق عموما، فأقسم لى أن تليفوناته موجودة على فيس بوك وأنه يرد على الجميع 24 ساعة في اليوم.

هناك موقفان جديران بأن أشير إليهما لدلالاتهما البالغة، الأول أنه أثناء حديث المنشاوى مع سكان الشارع سأل مهندسة لا أعرفها تسكن في العمارة المواجهة لنا، بعدما عرف أنها عضوة بالنادي، هل منحتينى صوتك في انتخابات النادي؟ فردت "لا".. سألها لماذا فردت "لأن هناك كثيرين من أعضاء النادي وعلى صفحات التواصل وفيس بوك حذرونى من منح صوتى لأى شخص له علاقة بالجمعية لأنهم دمروا الحدائق".. نظرت له وابتسمت وصمت الرجل، وأدرك أننى لم انتقد مسئولى الجمعية من فراغ.

الموقف الثانى هو ما قالته إحدى جاراتنا ونحن واقفون إن أحد المسئولين في السنترال أبلغها أن الجمعية هي التي تقف عائقا أمام توصيل التليفونات لعمارتها، وأنها –أي الجمعية- طلبت 300 ألف جنيه مقابل حفر الكابل وإدخال التليفونات للعمارة، وعلى الفور أجرى المنشاوى اتصالا بأحد كبار المسئولين بسنترال الرماية، فنفى أن يكون هناك أي دور للجمعية في عدم توصيل الكابل، ونفى أن يكون مسئولوها طلبوا أموالا مقابل التوصيل، وهو ما يعنى أن هناك حملة لتشويه سمعة الجمعية بدون وجه حق.

المنشاوى أكد لى أن الجمعية أصبحت تتعرض لوابل من الإتهامات الظالمة وهى بريئة من كل ما يتردد عنها، وأفهمنى أن الناس في الحدائق لا تدرك مهمة الجمعية أو الدور الأصيل المنوط بها القيام به، وتحملها مسئولية التقصير في كل شيء بما فيها بلطجة التكاتك وأعطال التليفونات والكهرباء والغاز والبناء المخالف، رغم أنها ليست معنية بها، وأوضح أن مهام الجمعية تنحصر فقط في "صيانة شبكات الصرف الصحى والكهرباء وحراسة قطع الأراضى الفضاء وأعمال السفلتة".

غير أن المنشاوى فجر مفاجأة صادمة لى شخصيا وللكثيرين بالطبع، وهى أن علاقة سكان الحدائق بالـ200 مليون جنيه التي يفترض أن يكون نصفها دخل خزينة الجمعية من حصيلة بيع أرض الخدمات، هي نفس علاقة من ليسوا أعضاء بنادى الحدائق بانتخابات النادي، وأن هذه الملايين ملك أعضاء الجمعية فقط، ومن حقهم تقرير مصيرها والتصرف فيها بعيدا عن سكان الهضبة حتى لو اشترى بها أعضاء الجمعية شاليهات ومصايف لهم في الساحل الشمالى -على حد قوله- ولا تخص سكان الحدائق ومصيرها لا يعنيهم في شىء، وأظن أننى أختلف معه في هذا الطرح الغريب الذي يتناقض مع وعود مسئولى الجمعية بشأن توجيه تلك الملايين لتحسين البنية التحتية للحدائق، ويحتاج إلى مزيد من الإيضاح، كما أكد أنه لن يتم رصف سوى الشوارع الرئيسية التي يزيد عرضها على العشرين مترا بشرط أن يكون قد دخلها الغاز.

ولأن واجبى كصحفى يحتم على أن أكتب عن السلبيات والإيجابيات، وكما انتقدت الجمعية، أشهد أننى لمست من الرجل تغييرا كبيرا ونية صادقة لخدمة الناس، بحيث أجرى مجموعة اتصالات أنهت كثيرا من المشكلات المزمنة الكثيرة لسكان المنطقة عموما.

حالة صديقى المحاسب المنشاوى -الذي وقف ساعتين يحاور السكان ويسمعهم ويتقبل مشاداتهم ونقدهم وهجومهم عليه وعلى الجمعية بصدر رحب- أظنها يقظة ضمير أو إفاقة على حقيقة كانت غائبة، وهى أن أقصر الطريق إلى قلوب الناس هو أن تكون بينهم تشعر بهمومهم ومشاكلهم وتسعى بإخلاص لحلها، وهى أيضا حالة رجل يبحث عن تفسير لإخفاقه في انتخابات نادي الحدائق، باعتباره أمين صندوق الجمعية، رغم أنه يشكل حالة خاصة وفريدة في خدمة الآخرين طوال الوقت.

لن أزعم أن ما فعله هو استجابة لما قلته في المقال، ولكنى أدعى أن ماكتبته دفع الرجل لمحاولة فهم سر عداء الناس للجمعية ومسئوليها، وأظن أن "رسالتى قد وصلت"، و"أظنه وكل مسئولى الجمعية قد فهموا".

الجريدة الرسمية