مرض.. وخراب ديار!
إذا لم تعرف الحكومة بكامل أعضائها أن توفير الدواء هو أمن قومي يكون لديها مشكلة عويصة، وإذا لم تعرف الحكومة أن ترك الحبل على الغارب لمافيا الاحتكار من شركات أدوية ومخازن أدوية وشركات توزيع وسلاسل صيدليات يرفعون أسعار الدواء بشكل عشوائي وانتقائي.. تكون الحكومة قد خالفت الدستور الذي يكفل العلاج وتوفير الدواء للمرضي بأسعار مناسبة يحتملونها، وتكون الحكومة أضافت عذابا جديدا إلى المرضي بجانب عذاب المرض والألم !
ما نعانيه مع اختفاء أنواع كثيرة من الدواء، وارتفاع أسعارها -إن وُجدت- هو مرض وخراب ديار، وقد يتحول مع عدم وجود الدواء إلى موت وخراب ديار، وما أكثر من يموتون لعدم وجود الدواء، ولعدم قدرتهم على شرائه بسبب ارتفاع سعره!
الحق في الحياة مرتبط بالحق في العلاج والحصول على الدواء، وأعتقد أن الحق في العلاج وتوفير الدواء هو أهم من حقوق كثيرة أخرى.. لذلك نحن أمام قضية تستحق المناقشة والبحث عن حلول لها، وقبل ذلك تحتاج مكاشفة ومواجهة ومعرفة من يصنع أزماتها المتعددة، ومن يعرف الحل ويضن به على المرضي!
أُدرك جيدا أن الحكومة إذا أرادت الحل فإنها تستطيع كما فعلت في أزمات سابقة، وأدرك أيضا أن القيادة السياسية بما لديها من إرادة تستطيع حل مشكلة الدواء، عندما يتوفر لديها العرض الأمين للمشكلة كما فعلت مع مرضي فيروس سي.. لكن للأسف آفة مسئولينا غياب الشفافية، وتضارب التصريحات، والسباحة أحيانا مع التيار وأحيانا أخرى ضده !
من يومين كشفت الشعبة العامة للصيادلة عن مفاجآت مثيرة، منها بيع أدوية مرضي روماتيزم القلب والفشل الكلوي في السوق السوداء وعن طريق الإنترنت بأسعار خرافية وفي غياب الرقابة، حيث تبين أن عقار "البنسلين" طويل المفعول الذي يمثل أهمية قصوى لمرضي روماتيزم القلب، وثمنه بالصيدلية 10 جنيهات يباع بـ65 جنيهًا.. فما بال الأصناف الأخرى وأدوية الفشل الكلوي التي تباع بأسعار خيالية!
الأرقام تقول إن حجم الاستثمار في الدواء في مصر وصل لأكثر من 60 مليار جنيه سنويًا، مما فتح الباب واسعًا أمام القطاع الخاص للاتجار في الدواء، وتحقيق مكاسب طائلة على حساب المرضي الذين لا يملكون ثمن الدواء، وحتى نستطيع حل المشكلة.. علينا أن نعترف بها أولا..
* فبينما يقول مسئولون في شعبة الدواء وفي نقابة الصيادلة الذين يبيعون الدواء، وكذلك المرصد المصري للحق في الدواء إن لدينا عجزا في 1420 صنف دواء، من بينها 54 صنفا ليس لها بديل أو مثيل في السوق، وأن هذا الإحصاء كان في شهر أكتوبر الماضي.. يخرج علينا المتحدث باسم وزارة الصحة ويقول: ما يتردد عن نقص أكثر من ألف دواء بالسوق المصرى، غير صحيح وخبر كاذب ، وأن 17 صنفا دوائيا فقط غير متواجدين بالسوق، وجميعها أصناف أدوية لأمراض غير حيوية ولها بدائل.. في حين أن المرضي لا يجدون الدواء !
* هل يتحمل الأطباء جانبا كبيرا من المسئولية وراء أزمة نقص الدواء لإصرارهم كتابة أصناف بعينها لشركات أجنبية واستثمارية غالية الثمن، لأن هذه الشركات تقدم لهم هدايا مالية وعينية وتمنحهم سفريات مجانًا لكتابة أصناف بعينها، مما يضع الصيدلي والمريض في مشكلة ومن ثم يجب إلزام الأطباء بكتابة الاسم العلمي وليس التجاري حتى يتمكن الصيدلي من التخفيف على المرضي.
* الأزمة خلقت سوقا سوداء في الدواء، وأصبح شراء الدواء غير المتوفر كشراء المخدرات، وتحول الصيدلي –رغما عنه– إلى سمسار يفاوض في سعر الدواء، ويتحايل في طريقة توفيره وبيعه حتى وصل سعر بعض الأدوية الناقصة في السوق ولا يستغني عنها المريض إلى مائة ضعف!
* المتحدث باسم وزارة الصحة ما زال ينكر ويؤكد أن قائمة النواقص هي 23 صنفا فقط في آخر تقرير تم إرساله للرئاسة، واتهم أي مركز أو مسئول يقول بعكس ذلك يحدث بلبلة في الرأي العام، متجاهلا المرضي من الرأي العام.. وتلك هي الكارثة بعينها.. الإنكار البغيض!
* (زودوه بس وفروه).. جملة سحرية تتحايل بها مافيا الدواء في مصر لرفع الأسعار كل فترة.. فيتم تعطيش السوق وتخزين الإنتاج للضغط لرفع السعر ثم بيعه ولو كان منتهي الصلاحية!.. والحكومة في المغارة تبحث عن حلول رغم أن الدولة تنتج 60% من الدواء والقطاع الخاص ينتج 40% ومع ذلك تعجز الحكومة عن حماية المرضي!
في تقديري أن أزمة نقص الدواء والمناورات لرفع سعره كل فترة أهم وأخطر من أزمات نمارس فيها الهري والجدل بلا فائدة.