شفيق وأديب والميديا !!
عندما اطلعت على خبر وكالات الأنباء الأجنبية حول القبض على الفريق أحمد شفيق لترحيله إلى مصر، هالني وقع الخبر، وطلبت من زملائى التروي للتأكد، وبالفعل تواصلت مع مصادر مهمة، أكدت لى أن الخبر غير صحيح، ونشرنا ذلك في حينه، وكم كنت سعيدا بذلك، لأن وقع الخبر الكاذب على السوشيال ميديا كان مخجلا، ومن شأنه الإساءة إلى بلادنا التي أصبحت أيقونة بعد ثورتين شعبيتين لهما في رصيد الإنسانية الكثير.
سعدت ليس لأني من أنصار الفريق، ولكن لأنى من أنصار الحريات، ومن الذين يرون أن مصر يجب أن تخطو سريعا في طريق حريتها، ولابد وأن تمنح الحالمين بالتغيير في منطقتنا مساحة للأمل، ونحن قادرون على ذلك، ولدينا رصيد إنساني قديم في الإسهام الحضارى، ووجود الفريق شفيق وغيره من الراغبين في الترشح بالانتخابات الرئاسية القادمة يضيف إلى النظام ولا يأخذ منه أبدا.
ولكن ما الذي جعل الناس تصدق خبرا كاذبا، وتنشغل به لساعات حتى وصول الرجل إلى مطار القاهرة وخروجه وسط مجموعة من أنصاره ؟
أعتقد أن كثيرا ممن هم حول النظام لم يفهموا الدرس بعد، ولم يستوعبوا حجم التغيير الذي يجب أن تشهده مصر، فانطلقوا يسبون شفيق، ويعددون مساوئه رغبة منهم في التقرب، أو اعتقادا منهم بأن ذلك سيجعلهم في مناطق الحظوة، فتصرفوا وفق آليات عصر انتهى بفعل جماهيري، تكرر مرتين في مدة وجيزة.
الذين سبوا شفيق ونالوا منه إنما اختاروا الطريقة "البلدي" المتعارف عليها قديما، وبدلا من أن يناقشوا الأمر بجدية، فإنهم طرقوا أبواب السباب دون الدخول في مضامين نراها أكثر أهمية.. يجب أن نتساءل: هل يستطيع أحمد شفيق أن يقود البلاد إلى مناطق أكثر قوة من النظام الحالي؟ هل لديه ما يقدمه لمصر والمصريين؟ هل لديه من الإمكانيات والملكات ما يجعله قادرا على قيادة الدفة وسط أمواج هادرة تحياها منطقتنا العربية الآن؟
أسئلة كثيرة يجب أن تطرح للنقاش العام بعيدا عن لغة التخوين والتهويل والانجرار إلى لغة السباب.. تجربة يجب أن تحياها مصر بقلب واعٍ يمنح من قدموا لها من جهدهم وعرقهم وتضحياتهم حقا أصيلا يحظي به القادة في كل الأمم، تجربة لا تبخس من ضحي بنفسه من أجلها في أوقات عصيبة حقة، تجربة تعيد للناس الأمل في حق الشعب أن يقول دون وصاية ما يريد، تجربة يخرج منها الفائز بتكليف جديد يليق به وبنا وببلادنا.
غير أنه ووسط موجة السباب التي انطلقت باجتهادات شخصية لا علاقة لها بالنظام، كان هناك صوت عاقل اسمه عمرو أديب انطلق بكاميرات برنامجه "كل يوم" إلى مطار القاهرة، والتقي بشجاعة مع بعض أعوان الفريق شفيق، وتحدث معهم، وانتقلت كاميراته إلى فيلا شفيق بالقاهرة الجديدة، ليؤكد للمشاهدين أنه ليس موجودا بها، وعقب بعد ذلك بتساؤل مهم حول الطريقة التي وصل بها فيديو الفريق إلى قناة الجزيرة وطلب من الفريق شفيق الإجابة حول هذا الأمر، باعتباره قضية مهمة للشعب المصرى الذي يرفض لمرشح لرئاسته أن تكون إطلالته الأولى منها.
لم يكتف عمرو أديب بذلك، بل أكد أن شفيق ليس ممنوعا من الظهور في الإعلام، وقال إنه على استعداد أن يتلقى اتصالا في برنامجه من الفريق أو حملته.. هنا أستطيع القول إن عمرو أديب بما قدم إنما أزال لغطا وجدلا أكبر مستفيد منه أعداء الوطن.. وبالممارسة المهنية التي قدمها عمرو استطاع أن يقول للناس ليس هناك ما يخشى النظام القائم منه، كما قطع الطريق على المتاجرين باسم النظام.
على أن ما فعله عمرو من شأنه مواجهة الإعلام الاجتماعي بكل ما فيه من مساوئ وشائعات وإثارة للبلبة، والنيل من تجربة قائمة لها ما لها وعليها ماعليها، وإعادة لفكرة النقاش الموضوعى حول قضايا الحريات، ومستقبل البلاد الديمقراطى، ومواجهة الخطر الآنى والقادم وفق أجندة وطنية، بعيدا عن التهميش والإقصاء والنيل من تجربتنا في الاختيار الوطنى الخالص.
ومما لا شك فيه أن الإعلام الخاضع للمعايير المهنية، أمام اختبار صعب للغاية، خاصة وأن الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي هو الرئيس الأول الذي حظى برضا شعبى منقطع النظير، وقدم خلال الفترة الماضية نموذجا وطنيا في مواجهة ما يحاك لمصر والمصريين، وتحمل إصدار القرارات الأصعب في تاريخ مصر، وهذا من شأنه أن يترك مساحة واسعة لخصومه السياسيين في التحرك، واللعب على وتر الفقراء وصعوبة الحياة، دون النظر إلى الضرورة القصوي التي فرضت عليه، وهو المنتخب بإرادة شعبية، أن يتخذ ما اتخده من قرارات، كان لها صداها وتأثيرها على فئات شعبية واسعة.
الأمر متروك للوعي الصحفى والإعلامي والضمير المهنى، الذي يجب أن يناقش الأمور بهدوء دون إساءة أو تهوين مما حققناه، أو الضرب تحت الحزام.. التجربة القادمة في الانتخابات الرئاسية من شأنها أن تعظم دور الإعلام أو تنهيه تماما، لصالح الإعلام الاجتماعي الذي أوصل واحدا مثل ترامب إلى سدة الحكم في واحدة من أكبر إمبراطوريات التاريخ!!