الانتخابات وفطام النقابات
شهد الأسبوع الماضى صورة تعكس مدى التناقضات الكبيرة في ثقافة الشعب المصرى ونبدأ بانتخابات الأندية التي شهدت هذا العام إقبالا كبيرا على الترشح والمشاركة في التصويت وكأنه تنفيث عن غياب التنافس الديمقراطى في كثير من المحافل بعد إلغاء اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب وتوقف انتخابات الاتحادات الطلابية لعدة سنوات وما أصاب انتخابات النقابات من تراجع كبير سواء على مستوى الترشح أو المشاركة.
ابتدأ الأسبوع بظهور نتائج انتخابات نادي الزمالك ولم تكن هناك مفاجأة في بدء المشكلات بمجرد إعلان النتيجة وربما قبل ذلك برفض رئيس النادي الذي أعيد انتخابه لاختيار الجمعية العمومية لنائب للرئيس لا يعجبه! ثم نأتى لانتخابات النادي الأهلي التي شهدة ظاهرتين جديرتين بالدراسة أولاهما هي ظاهرة دخول المال بقوة في ظل عدم وجود لوائح تضع حدا أقصى للإنفاق في انتخابات الأندية الرياضية التي هي من المفترض أنه لا يوجد بها من المغانم ما يستحق إنفاق مئات الملايين على الدعاية للفوز بتلك المقاعد، رغم أنه اتضح أن رئاسة أو عضوية مجالس إدارة بعض تلك النوادى قد يمنح إمكانيات سياسية، وربما يسهل تحقيق مصالح مالية تستحق صرف كل هذه الملايين.
ولم يخل الأمر من ملاحظة إيجابية مهمة وهى امتعاض الجميع من عدم حيادية القناة الرسمية للنادي الأهلي، ووضوح دعم غالبية برامجها لقائمة مجلس الإدارة، لكن الموقف الحاسم لإدارة فريق كرة القدم بما يمثله من ثقل من احتمالية استغلال بعض اللاعبين الحاليين لشعبيتهم لدعم أحد المرشحين أو القوائم والأهم من هذا انفراط عقد الفريق إذا ما انقسم أعضاؤه بتعبيرهم علانية عن ميولهم، وما كان من مدير الكرة من إعلانه عن توقيع غرامة مقدارها مليون جنيه على أي لاعب يشارك في أي حملات انتخابية أو يستخدم في الدعاية الانتخابية، وقد ضرب بهذا مثالا للنزاهة والمصداقية وهو مالا نجده في معظم الانتخابات في مصر، من تدخل المسئولين بمنتهى الصلف وانعدام الحيادية أو احترام مناصبهم بالدعاية لبعض المرشحين، أو فعل ما هو أكثر من ذلك بتنظيم حملات انتخابية بأنفسهم.
والتفت مصر كلها تشاهد التصويت وتتابع النتائج أولا بأول حتى غطى النقل الحى لنتائج الانتخابات على حدث هام آخر أنفق عليه الكثير وهو حفل ختام مهرجان القاهرة السنيمائى، والذي تم استقدام نجوم السينيما العالمية من الصف الأول بحجم نيكولاس كيدج وهيلارى سوانك وأدريان برودى.
ولأن مصر بلد المتناقضات ومع كل الزخم الذي شهدته انتخابات النوادى رأينا جميعا كيف انتفض الإعلام المصرى ليسفه من رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق، والمرشح الرئاسى السابق بمجرد إعلانه عن نيته للترشح للانتخابات الرئاسية التي ستقام العام القادم 2018 إن شاء الله، رغم أنه بترشحه هذا قد يكون قد أعطى قبلة الحياة لهذه الانتخابات بوجود أول منافس حقيقى على المنصب، بعد أن كانت كل المؤشرات تشير أنه لن يكون سوى بعض المرشحين الشكليين، أو الذين يمثلون أقليات سياسية ليس لها القدرة على تحريك المواطنين للمشاركة أو تشكيل أي نوع من الخطر على إعادة ترشيح الرئيس الحالى.
وفى البرلمان جرت مناقشات اتسمت في بعض الأحيان بالاحتدام حول مشروع قانون التأمين الصحى الاجتماعى، وأظهرت هذه المناقشات ظاهرتين أولا ضغط كبير من جانب الحكومة لسرعة تمرير القانون، فلأول مرة يحضر وزير الصحة ثلاث مرات للجنة الصحة في أسبوع واحد، بعد أن كان الأعضاء يشكون من عدم حضوره لشهور طويلة، رغم الدعوات المتكررة التي توجه إليه للرد على أسئلة النواب والاستماع إلى بياناتهم العاجلة.
ورغم أن الجدل احتدم حول موضوعات عديدة منها ضم المستشفيات الجامعية لهيئة الرعاية الصحية، وإعطاء هيئة الرعاية حق فتح الصيدليات فإن رد الفعل الكبير كان من النقابات على الموافقة على نص المادة 23 من مشروع القانون، والذي يمنح هيئة الجودة سلطة منح الترخيص لمزاولة المهن الطبية ولتقديم الخدمة الطبية بالنسبة للمنشآت والرقابة عليهم، وتخشى النقابات الطبية نضوب مورد من أهم مواردها وهو تحصيل رسوم على تسجيل الأعضاء والمنشآت، وهو ما يمثل واحدا من أهم مصادر الدخل المالى للنقابات.
والحقيقة أن تحصيل النقابات لرسوم من أعضائها بخلاف الإشتراكات لا أعلم له مثيلا في دولة أخرى، وقد عمدت بعض النقابات إلى زيادة ما تحصله من أعضائها كرسوم بشكل كبير، وتحايل بعضها على النسب المذكورة في القوانين واللوائح بإضافة الزيادات كمصاريف إدارية، حتى صارت المصاريف الإدارية في بعض الأحيان أضعاف الرسوم المقررة قانونا.
واتفقنا أو اختلفنا على إنفاق أموال النقابات وقيام بعض مجالس هذه النقابات بوضع بدلات كبيرة للحضور أو صرف بدلات لبعض الأعضاء للتفرغ وتركهم لعملهم الحكومى مع زملائهم والمفترض بهم أن يمثلونهم أو غير ذلك من المصروفات فإن تلك الرسوم أسهمت في تقاعس بعض النقابات عن السعى لزيادة مواردها من مصادر تمويل غير جيوب الأعضاء.. في رأيي الشخصى أن النقابات هي جماعات ضغط لتنسيق جهود الأعضاء وأن العضوية الإجبارية للنقابات وما تم إسناده للنقابات من أعمال تسجيل المنشآت أو التحقيق المهنى مع الأعضاء قد أضر العمل النقابى، وهو ليس مما يجب على النقابات والتي من المفترض أن تكون دائما في صف أعضائها وتعمل على تقليل الأعباء عليهم وأن مصادر دخلها يجب أن تكون من الاشتراكات ثم موارد من أنشطة لخدمة الأعضاء أو أنشطة لجلب موارد لخدمتهم واستثمارات للفوائض.
ورغم تحفظى الشديد على منح هيئة واحدة سلطة الترخيص وتحديد مستويات الجودة ومنح الاعتماد والرقابة على الأفراد والمنشآت وأدعو إلى الفصل بين سلطة التراخيص والرقابة عليها وسلطة رقابة الجودة والاعتماد فإنني أجد أنه في كل الأحوال يجب فطام النقابات من الاعتماد على جيوب أعضائها بدلا من تسويق أنفسها لهم بالخدمات الرابحة.