رئيس التحرير
عصام كامل

سيادة الفريق.. هذا ليس وقتك


باختصار.. هذا ليس وقت الفريق شفيق ولا زمانه، فعجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، ويخطئ الرجل إذا تخيل أنه سينجح في انتخابات الرئاسة المقبلة كمنافس للرئيس السيسي، ذلك أن الظرف الاستثنائي والتاريخي الذي منحه نسبة 48% من أصوات المصريين في جولة الإعادة أمام المعزول مرسي منذ 5 سنوات قد ذهب بلا رجعة.


شفيق -الذي يبلغ من العمر 78 عاما- بكل أسف لم يترك مصر منفيا، بل خرج طواعية وبكامل إرادته على خلفية تصوراته وقناعاته بأن المجلس العسكري والقضاء قد تواطأ مع الإخوان لتنصيب مرسي رئيسًا للبلاد، وبدافع من غصة وحزن دفين من عدم استدعائه لمشهد 3 يوليو 2013 باعتباره أكثر شخص دعم 30 يونيو وعارض نظام الإخوان.

وكان من الأولى– على خلفية هذه القناعات- أن يعود بعد إزاحة نظام الإخوان وتولي الرئيس السيسي الحكم ويضع يده في يد الرئيس الذي خاض معارك ضد الجماعة التي يراها جاءت إلى الحكم بالتزوير، ويضع خبراته كواحد من أبناء المؤسسة العسكرية بين يدي صناع القرار، وفي الوقت نفسه يواجه بشجاعة وجسارة المقاتل اتهامات الفساد التي كانت تلاحقه آنذاك، طالما أنه واثق من براءته وطهارة يده، وأن يخوض معركة الدفاع عن نفسه من داخل بلده وليس من خارجها، لكنه للأسف لم يفعل كغيره من رموز نظام مبارك الذين خانتهم الشجاعة ولم يعودو إلا بعد تبرئتهم، ولو فعل وعاد لكان من حقه الأدبي والقانوني والأخلاقي والتاريخي أن يحمل على الأعناق ويحظى باستقبال الأبطال ويترشح للرئاسة.

على شفيق أن يعلم أن مصر الآن لها رئيس قوي يحميها، ولن يتقبل المصريون منه أن يهبط عليهم بـ"باراشوت" ليكون منافسا له في معترك الانتخابات الرئاسية، حتى أنصار مبارك الذين يمكن أن يراهن على أصواتهم، سيصوتون للرئيس السيسي بعد أن انصهروا في نظامه وعادوا لتبوء مناصب قيادية من جديد.

ويخطئ شفيق لو تخيل أنه يمكن أن ينجح أمام السيسي على أنقاض حالة الغلاء والمعاناة التي يعيشها المصريون بعد قرار تعويم الجنيه المصري قبل أكثر من عام، ذلك أن ما بين الرئيس وغالبية المصريين ليست أكثر من حالة عتاب رقيق لرجل يحبونه بصدق ويرونه مخلصا لبلده، ويدركون أنه وضع روحه على كفه عندما أنقذهم من جماعة إرهابية اختطفت دولتهم بأكملها لمصالحها الخاصة، ويقتنعون أنه يدير بلادهم بفكر إستراتيجي ويخوض معركة ضارية ضد الإرهاب جنبا إلى جنب مع إنجاز مشروعات قومية عملاقة، ويثقون في أنه أكثر دراية بمصلحة البلد ومستعدون لأربع سنوات عجاف أخرى في وجوده على هرم السلطة في مصر وتحت رئاسته.

يخطئ شفيق أيضا لو تصور أنه يمكن أن ينجح على أنقاض ما يتردد في أدبيات الخطاب السياسي الراهن عن أن ثورة يناير ليست أكثر من مؤامرة قادت البلد إلى الفوضى، وأوهم لو اعتقد أنه يمكن أن يصبح رئيسا لمصر على أنقاض محاولات لتبييض وجه مبارك الذي كان هو أحد رموز نظامه تحت شعار "ولا يوم من أيامك"، فهذه المقولات والمحاولات ليس لها وجود في ضمير وعقل وفكر ملايين المصريين الذين ما زالوا على يقين أن مبارك قاد مصر للخراب والفساد، وأن ما نحن فيه هو حصاد لجرائمه، وأن ثورة يناير –حتى لو ركبها الإخوان- هي أروع ما أنجبت مصر عبر تاريخها.


أما عن أزمة شريط الفيديو واختياره لقناة الجزيرة القطرية الموالية للإخوان كمنبر ليتهم فيه دولة الإمارات بمنعه من مغادرتها بعدما استضافته واحتضنته وعاش فيها معززا مكرما طوال خمس سنوات، أتصور أن الفريق شفيق خانه الذكاء السياسي، بحيث يرتكب هذه الخطيئة السياسية والأخلاقية الكبرى ويعلن ترشحه لرئاسة مصر في اللحظة نفسها التي كان يخسر فيها تعاطف دولة الإمارات التي كرمته، إلى حد أن يقول عنه وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش عبر حسابه على تويتر مقولة المتنبي، "إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا"، وكأن شفيق اختار الصعود "إلى الهاوية" وليس إلى "كرسي رئيس مصر".

حزب شفيق "الحركة الوطنية المصرية" أعلن في بيان له صباح اليوم الخميس، أن الفيديو الذي أذاعته الجزيرة «مسرب»، وأن الفريق لم يتعامل إطلاقًا مع القناة القطرية التي تكن العداء لمصر وللإمارات، ولم يرسل إليها أية فيديوهات، لكن البيان لم يقل إن "الفيديو" مفبرك، وهو ما يعني إقرارا صريحا أن الرجل أساء للإمارات لكنه تسلل إلى القناة القطرية بدون عمد أو سبق الإصرار والترصد.

من المهم الإشارة إلى أنه بعد إعلان شفيق ترشحه للانتخابات الرئاسية، تقدم عدد من العاملين بوزارة الطيران المدني وشركة مصر للطيران في 12 مايو 2012 بـ24 بلاغًا إلى النائب العام يتهمونه بإهدار المال العام في مشروع تجديد مطار القاهرة الذي بلغت تكلفته 3.3 مليارات جنيه بقروض من البنك الدولي، وبمحاباة علاء وجمال مبارك الشريكين في شركة موفنبيك، وببيع 40 ألف فدان تقع على البحيرات المرة لنجلي مبارك، بسعر أقل من سعرها الحقيقي.

لكن تلك الاتهامات لم يكن لها محل، وتحركت الدعوى الجنائية ضده في قضيتين مختلفتين هما الاستيلاء على أرض مملوكة لجمعية إسكان "ضباط القوات الجوية" التي عرفت إعلاميًا بقضية "أرض الطيارين"، وكذلك قضية أرض البحيرات المرة وتم تبرئته في القضيتين وقضت محكمة جنايات القاهرة قبل أكثر من عام برفع اسمه من قوائم ترقب الوصول بالمطارات والمنافذ المصرية.

ولأن الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة، فالحقيقة أن المواطن شفيق أصبح بريئا من التهمتين، ودعونا نقر بحقه "المشروع" في العودة إلى بلده وبحقه في حلم رئاسة مصر، ونُقر أيضا أنه لو تولى رئاسة مصر قبل خمس سنوات كان يمكن أن يجنب مصر "شرور" حكم الجماعة الإرهابية.

دعونا نعترف أيضا أن شفيق– لو أصر على الترشح- سيثري معركة انتخابات الرئاسة وسيحميها من سيناريو الفوز بالتزكية وسيمنحها زخما وتنافسا قد يكون في مصلحة مصر، وأتمنى من كل أجهزة الدولة أن تقف على الحياد من السيسي وشفيق وأي مرشحين آخرين في ساحة المنافسة الرئاسية، ولا ننسى ما حدث من تجميد لبرنامج الصديق الإعلامي وائل الإبراشي لمجرد أنه أجرى حوارا تليفونيًا مع شفيق عبر فيه عن رأيه في قضية "تيران وصنافير"، وأتمنى من الإعلام والقنوات الفضائية أن لا تمارس "المكارثية" السياسية بحق الرجل ولا تبدأ من الآن حملة تشويه ضده.
من فضلكم.. اجعلوها معركة انتخابية حضارية ديمقراطية شريفة تضيئ "وجه مصر" ولا تُسيء إليه.
الجريدة الرسمية