مبارك يفتح خزينة أسراره لـ«عبد الناصر سلامة»: نتنياهو طلب توطين الفلسطينيين في سيناء وهددته بالحرب.. الأمريكيون أعادوا فتح القضية وقابلتهم بالرفض.. الدم تحت الرمال.. و«راجل أهبل اللي يف
فجرت شبكة "بي بي سي" البريطانية، اليوم الأربعاء، أزمة تعود جذورها إلى الماضي، بزعمها الحصول على وثائق تفيد بقبول الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بتوطين الفلسطينيين في سيناء كوطن بديل مقابل حل قضية السلام.
مبارك رغم امتناعه عن التصريحات منذ مغادرته مستشفى القوات المسلحة بالمعادي، دفعته عزيمة المقاتل العنيد لإصدار بيان توضيح للرد على اتهام التفريط في الأرض، الذي اعتبره عارا يطارده في نهاية العمر.
بيان مبارك الذي تم نشره على صفحة "أنا آسف يا ريس"، احتوى على 6 نقاط مقتضبة فندت مزاعم الشبكة البريطانية التي اختارت الوقت المناسب لتفجير الأزمة، تزامنا مع ضجة أحدثها مطلب وزيرة شئون المساواة الاجتماعية الإسرائيلية "جيلا جملئيل" بإقامة دولة فلسطين في سيناء.
لكن مقال الكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة، الذي لخص خلاله مقتطفات من جلسات حوارية دارت بينه وبين الرئيس الأسبق مبارك حول مسألة التنازل عن سيناء حمل صورة أكثر وضوحا لموقف الرئيس المصري الأسبق تجاه الأرض المصرية والقضية الفلسطينية.
شارون وشرم الشيخ
استهل سلامة مقاله الذي جاء تحت عنوان «سينـاء في ذاكـرة مبـارك» بقوله: «روي لى الرئيس حسني مبارك أكثر من موقف فيما يتعلق بالعلاقات المصرية - الإسرائيلية، وموقفه هو شخصيًا فيما يتعلق بعلاقاته مع رؤساء حكوماتها، قال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرئيل شارون حاول جاهدًا أن يقابلني في عام ٢٠٠٥ إلا أنني كنت دائم الرفض؛ نظرًا لممارساته تجاه الفلسطينيين، وذات مرة أجبت طلبه بأن يجلس مع محمود عباس "أبو مازن" أولًا لتلبية الطلبات الفلسطينية وبعدها نلتقي، وبالفعل التقى أبو مازن ووافق على ما طلب، التقيته بعدها في شرم الشيخ كعادة لقاءاتي بهم، وكان قد رفع الحصار عن غزة وتوقف عن قصفها.
في هذا الصدد أضاف مبارك أن شارون حين قدم إلى شرم الشيخ، لم يكن يتصور أنها أصبحت بهذا الشكل، فحين رآها من الطائرة قبل الهبوط سأل مرافقيه: هل أنتم متأكدون أن هذه هي شرم الشيخ؟! ذلك أنه شاهد زخمًا كبيرًا من الفنادق والقرى السياحية والمنشآت المختلفة، وبالفعل عاش حالة انبهار حينما شاهد كل ذلك على الأرض من قريب؛ لأن الإسرائيليين عمومًا لم يتصوروا أبدًا أنها يمكن أن تصبح بهذا الجمال الذي ينافس أجمل منتجعات العالم.
محاولة التوطين
قال مبارك، بحسب ما ورد في المقال، إن فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء ليست وليدة اليوم، فقد حاول بنيامين نتنياهو حينما تولى الحكومة بعد ذلك طرح هذا التصور، قائلًا: كل ما نريده في سيناء ٦٠٠٠ كيلومتر مربع حتى يمكن إنهاء هذه المشكلة تماما، فأجاب مبارك نتنياهو قائلًا: (بَس بَس بَس، اقفل الموضوع ده خالص، إنت بتتكلم في إيه؟! إنت فاكر إن سينا دي أرض أبويا، وللا ملكية خاصة؟! دا أنا يا دوب حارس عليها، وصي يعني، ما أقدرش حتى إني أناقش معاك الموضوع ده، انسى خالص إنك فتحت الحكاية دي، وبعدين اوعى تفكر أنك تتصرف أي تصرف كده وللا كده من نفسك، افهم إني هحاربك على طول، هو دا الموضوع اللي يخليني أحارب بدون تردد، إنت بتتكلم في أرض). فما كان من نتنياهو إلا أن أجاب قائلًا: (لا لا لا، واحنا مش عايزين حرب، خلاص انتهى الموضوع)، وبالفعل تم إغلاق هذا الموضوع نهائيًا من الجانب الإسرائيلي.
إعادة فتح القضية
إلا أن الأمريكيين أيضًا حاولوا فتح هذه القضية مع الرئيس مبارك أكثر من مرة، لكنه كان يرفض مجرد سماع الطرح، ذلك أن الرجل شارك في تحرير سيناء؛ حربًا (١٩٦٧- ١٩٧٣)، وسلامًا من خلال مفاوضات كامب ديفيد واتفاقية السلام فيما بعد، وبالمحكمة الدولية، حيث قضية تحرير طابا، ذلك أنه يعرف قيمة الأرض، ما بالنا عندما يتعلق الأمر بسيناء التي جعل من شرم الشيخ فيها واحة سلام عالمية، حتى أن اسمها ارتبط بمؤتمرات السلام الدولية، وقد زارها بالفعل معظم قادة العالم، الذين كانوا يقصدونها سواء في مهام رسمية أو قضاء إجازات ومواسم وأعياد.
سبب الرفض
ونوه الكاتب الصحفي إلى أنه سأل الرئيس مبارك عن سبب رفضه مناقشة هذا الموضوع؟ وكانت الإجابة كالتالي: (إنت بتتكلم في إيه؟ فيه حد يتنازل عن أرض إلا واحد أهبل؟! وبعدين سينا دي بالذات اتسدد تمنها دم أكتر من مرّة، بل يمكن على مدى تاريخها، يعني مش فلوس، يعني لو كنا شاريينها يبقى ما فيش مانع أما نبيعها ونكسب فيها، إنما أما يكون تمنها كان بالدم، يبقى تتباع بإيه دي بقى؟! كل شبر فيها هتلاقي فيه دم تحت الرمل وفوق الرمل، وجثث وعضم، وآلات ومعدات وكل حاجة، دول ناس بيستعبطوا اللي يقول استبدل أراضي، واتنازل عن أراضي، وبيع أراضي، دول ما يعرفوش يعني إيه أرض أصلًا).
ولاحقه سلامة بسؤال آخر: ولكن يا سيادة الرئيس كان ممكن العودة للشعب في هذا الموضوع من خلال استفتاء لو كانت هناك فائدة لمصر. فقال: (شوف عايز أقول لك على حاجة، ولا الشعب من حقه التنازل عن أرضه، ولا حتى من صلاحياته، ويبقى استفتاء باطل؛ لأن اللي ما حدش واخد باله منه، إن الأرض عمومًا ملك الأجيال اللي جاية، هي ملك الشعب آه، لكن ملك الأجيال اللي لسه جايه بعد ١٠ سنين وبعد ١٠٠ سنة وبعد ١٠٠٠ سنة، يعني طول ما فيه دنيا، يالله بقى روح خد رأيهم، وللا اعمل استفتاء معاهم، تيجي إزاي دي؟ يعني ما ينفعش بأي حال إن أي شعب يفرط في أرض؛ لأن دي خيانة للأجيال اللي بنتكلم عنها دي).