رئيس التحرير
عصام كامل

في وداع «معبودة الجماهير».. «فيتو» ترافق شادية إلى مثواها الأخير

فيتو

"قولوا لعين الشمس ماتحماشي.. أحسن حبيب القلب صابح ماشي"، لسان حالها وهي تتخذ ظل شجرة مجاورة لمسجد السيدة نفيسة، بعد أن منعها عسكري من الولوج من الباب الصغير للمصلى، تجاعيد وجهها تبرز أكثر من شدة البكاء.


"أنا جاية أودعها اتربيت على صوتها وأفلامها، خمسين سنة وهي في قلبي"، تتحدث سيدة، رافضة ذكر اسمها، بينما تستمر في النحيب على رحيل دلوعة السينما الفنانة الكبيرة شادية.

منذ التاسعة صباحًا، حضروا إلى هنا، المكان ممتلئ عن آخره كأنه حشد لتظاهرة ستغير مجرى حياة شعب أو حتى نظام حكم!



جاء المشيعون من كل حدب وصوب ليودعوا صاحبة الصوت الملائكي، "أنا من المنوفية وجيت مخصوص أودع الدلوعة"، منطقة السيدة نفيسة على موعد مع وداع "الدلوعة"، في كل وجوه السيدات اللاتي حضرن لتوديعها تجد وجها من مئات الوجوه التي ارتدها شادية على مدى الأربعين عامًا الذين سطع فيهم نجمها فلم ينطفئ بعد، في كل دمعة تذرفها تلك السيدة أو هذا الرجل انعكاس لنجمها اللامع في سمائه.

ما زالت قوات الأمن تطوق المسجد، وما زالت الأعداد تتزايد في انتظار "الطير المسافر" الذي آن له أن يحط في عشه الأبدي، "لو مفتحتوش الجامع هنصلي في الشارع". 



دقت الساعة الحادية عشرة والنصف ظهرا، استنفار أمني ولغط يكسران الهدوء الذي سبق العاصفة، حطت سيارة الإسعاف أمام المسجد حاملة "حبيبة مصر" ملتفة بعلم مصر، العشرات بل المئات اندفعوا نحو التابوت "أنا اللي هشيل أختي"، خمسيني يزعق في أحد أفراد الأمن. "مفيش ممثلين كلهم هنا حبايبها الفقراء".

في زاوية تبعد قليلا عن المسجد، تختلط المشاعر بين حب شديد وصدمة، مشاعر اختلطت جميعها على وجوه هؤلاء، "لافتات تحمل صورة الدلوعة وأيادِ ترتعش من كثرة ما وضع الدهر عليها".



"الأغلبية هنا ناس كبيرة ناس اتربت على أفلامها، مين ينسى فؤادة كانت مثلي الأعلى في شبابي، مفيش ست مصرية مشافتش نفسها في شادية"، سيدة تتحدث حاملة صورة لها مطبوعة على إحدى الصحف.

"الله يرحمك يا حاجة فاطمة مكنتيش بتكسفي حد فينا"، أحد السائلين يناجي النعش الراقد في منتصف المسجد.

حتى الثانية والنصف، غياب تام للفنانين وشخصيات المجتمع اللامعة، البسطاء هم أبطال المشهد، "اسمها الحاجة فاطمة، احنا منعرفهاش غير كدة، كنا بتعطف علينا وتدينا اللي تقدر عليه، عمرها ما بخلت علينا".

في الساعة الواحدة ظهرا، تدلف سيارة الإسعاف محيط المسجد ثانية، الجميع يتأهب، والسيدات يحتشدن حول الفنانات اللاتي حضرن في نهاية اليوم، الأمن ما زال يعترك معهم، وما زالوا في أماكنهم، يتصارع العشرات نحو الجسد، "كل حد هنا عايز يشيل ولو جزء بسيط من النعش، دي ست الكل"


أحد المشيعين يتحدث وفيه عينيه تظهر عبارة الأديب الراحل نجيب محفوظ عن شادية حينما قال: "شادية هي فتاة الأحلام لأي شاب"، فالعجوز الستيني ما زال عشقه لـ "نور" في الطريق و"زهرة" في زقاق المدق، والقوية "فؤادة" في شيء من الخوف، يتجلى في وجهه وكلماته المتقطعة.

الجريدة الرسمية