رئيس التحرير
عصام كامل

الفقيه الدستوري الدكتور صلاح فوزي: الدستور المصري الحالي غير محصن ضد تعديله

فيتو


  • بدائل الحبس الاحتياطي يستحيل تطبيقها في مصر بدون توافر التكنولوجيا
  • أطالب بإلغاء نظام المحضرين وتولى شركة متخصصة إعلان الخصوم
  • تطبيق قانون سحب الجنسية من الإرهابيين.. جائز بشروط
  • لايجوز تطبيق بدائل الحبس الاحتياطي على المتهمين في جرائم الإرهاب
  • حماية الشهود أهم من مبدأ المواجهة داخل المحكمة
  • قانون الإجراءات الجنائية الجديد حظر تحريك الدعوى بالادعاء المباشر ضد الصحفيين والكتاب
  • منع مصادرة الأعمال الفنية ومقاضاة الكتاب والصحفيين إلا بإذن النيابة العامة
  • تطبيق المحاكمة عن طريق الفيديو كونفرانس على الجرائم الإرهابية

الفقيه الدستوري، الدكتور صلاح فوزي، شارك في إعداد قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي يناقش حاليا باللجنة التشريعية والدستورية بالبرلمان، ويعمل أيضا أستاذ القانون العام، وعضو لجنة الإصلاح التشريعي، وأحد الذين شاركوا في صياغة الدستور الحالى. 

"فيتو" التقت "د.صلاح" للحديث معه عن تصوره لتعديلات قانون الإجراءات الجنائية التي تستهدف تحقيق العدالة الناجزة، وهو القانون الذي لم يعدل منذ أكثر من 50 عاما، تغيرت فيها ظروف المجتمع والأنظمة السياسية الحاكمة.

الفقيه الدستورى، في سياق الحوار، أكد أن الوقت مناسب لتعديل الدستور، لما يتضمنه من مواد متناقضة وغير قابلة للتنفيذ، وتطرق إلى مسألة ضرورة تعويض المتهم عن الحبس الاحتياطي بعد صدور حكم نهائي ببراءته، ومؤكدا أنها مسئولية أصيلة للدولة، كما رأي عدم إمكانية تطبيق بدائل الحبس الاحتياطي في مصر، لعدم توفير إمكانيات تسمح بذلك في الوقت الحالي، وطالب بالقضاء على نظام المحضرين الحالي، وإسناد مهمة إعلام الخصوم إلى شركات خاصة، وإلى تفاصيل الحوار..

بداية.. كيف ترى مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي يناقش حاليا بمجلس النواب؟
مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد يعالج الفراغ التشريعي، وفعل الاستحقاقات الدستورية التي تخص الأمور الإجرائية، والمطالب المجتمعية مستحدثا نصوصا جديدة تتعلق ببدائل الحبس الاحتياطي، وإعلان الخصوم، وحماية الشهود، المحاكمة عن طريق الفيديو كونفرانس، كما تنبه إلى الفجوات التشريعية، مثل قضية المنع من السفر وترقب الوصول، والتصالح في الجرائم وغيرها من المواد التي لم يكن منصوصا عليها بالقانون القديم تحقيقا للعدالة الناجزة.

تدرس وزارة العدل من خلال قانون الإجراءات الجنائية الجديد تطبيق بدائل الحبس الاحتياطي في مصر للمرة الأولى.. فهل يمكن تطبيقها على جميع الجرائم الجنائية ؟
بدائل الحبس الاحتياطي، والتي وردت بالمادة 117 من القانون يقصد بها إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه، أو تقديم المتهم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة، أو حظر ارتياد المتهم أماكن محددة، أو منعه من مزاولة أنشطة بعينها. 

وخلال ورش عمل إعداد قانون الإجراءات الجنائية بوزارة العدل، تم الاستقرار على أن هناك جرائم معينة لا يمكن أن ينطبق عليها بدائل الحبس الاحتياطي، وهي كل ما يتعلق بجرائم الإرهاب، " ما ينفعش أقول للإرهابي اقعد في بيتك وما تغادروش "، وما دون ذلك يمكن تطبيق بدائل الحبس الاحتياطي شريطة توافر إمكانيات مادية وتكنولوجية تسمح بذلك.

وهل هناك إمكانية تطبيق بدائل الحبس الاحتياطي على أرض الواقع؟
الإجراءات التدبيرية لتطبيق بدائل الحبس الاحتياطي معلقة، على شرط أن يكون لدى الدولة إمكانيات تكنولوجية، من شأنها ضبط المتهمين، مثل نظام التتبع بأسورة اليد المطبق في بريطانيا، وهي أسورة يرتديها المتهم بعد إخلاء سبيله على ذمة القضية، بدلا من حبسه احتياطيا، وأطالب بإلغاء المادة الخاصة بتدابير الحبس الاحتياطي، ما لم يتوافر إمكانية تكنولوجية تسمح بتتبع المتهم وملاحقته ومراقبته حتى أمنعه من الهروب، وعدا ذلك يكون النص مجرد "كلام نظري" يستحيل تطبيقه.

* لماذا يعترض بعض القضاة وفقهاء القانون على عودة "مستشار الإحالة" في القانون الجديد؟
يتم انتداب قاض تحال إليه ما تنتهى إليه النيابة من تحقيقات، ليقرر هو في النهاية ما إذا كانت الدعوى ستتم إحالتها للمحاكمة من عدمه، وهو ما يطلق عليه "مستشار الإحالة"، وهناك جدل حول النص على وجود "مستشار إحالة" بمشروع القانون الجديد، ما بين مؤيد لوجوده، ورافض له، حيث هناك وجهة نظر تقول إن النيابة العامة ما دامت تحقق في الدعوى، فلا تحيل إلى المحكمة حتى لاتكون خصما وحكما في ذات الوقت، ويكون هناك مستشار للإحالة لعرض التحقيقات عليها، ليقرر ما إذا كان سيحيل الدعوى إلى المحكمة من عدمه، ووجهة النظر الأخرى تقول إن النيابة تقوم بمباشرة التحقيقات واتخاذ القرار بالإحالة للمحاكمة من عدمه، بدون مستشار إحالة، وأرى أن النص على وجود مستشار الإحالة يمثل تضييعا للوقت، وإطالة في الإجراءات، والمطلوب سرعة الإجراءات، وأن النيابة العامة خصم عادل، وإذا كان هناك ملاحظات على التحقيقات يمكن تدريب أعضاء النيابة العامة من خلال مركز الدراسات القضائية على فنيات التحقيق، خاصة أن المادة 189 من الدستور نصت على أن "النيابة العامة تتولى التحقيق، وتحريك، ومباشرة الدعوى الجنائية عدا ما يستثنيه القانون، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى"، والهدف من عبارة "عدا ما يستثنيه القانون" الملاءمة التشريعية، أي إن النص على مستشار الإحالة بالقانون أو عدم النص عليه لا يمثل مخالفة دستورية،

* من بين المواد التي أحدثت جدلا واسعا عند مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الإبقاء على المادة الخاصة بتحريك الدعوى عن طريق الادعاء المباشر في الجنح....فهل ترى ضرورة إلغائها؟
يرى الجانب المعارض لتلك المادة أن لها آثارا سلبية أهمها تكدس القضايا بالمحاكم، إلا أن تحريك الدعوى الجنائية المباشرة جاءت تفعيلا للمادة 100 من الدستور، والجديد في مشروع القانون بالنسبة لهذه المادة، الحق الذي منحته للنيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ضد الموظف الممتنع عن تنفيذ الحكم، إلا أنني أطالب بالنسبة لرفع الجنح عن طريق الادعاء المباشر أن يشترط لقبولها دفع كفالة يحددها المشرع، وتصادر لصالح صندوق أبنية المحاكم حال عدم قبول أو رفض الدعوى، بهدف تبسيط إجراءات التقاضي، والحد من رفع الجنح المباشرة، وهي ضوابط تحول دون المبالغة في رفع الجنح المباشرة، وهناك أمر هام أنه لايجوز رفع الدعوى الجنائية عن طريق الادعاء المباشر في الدعاوى المتعلقة بالأعمال الفنية والأدبية والفكرية، فهناك من يكيد للأدباء أو الصحفيين أو الكتاب لهم كيدا، فجاء القانون لحمايتهم من تحريك الدعوى ضدهم بشكل مباشر، وجعل هذا القرار في سلطة النيابة العامة، وهذا يأتي تقعيلا للدستور الذي يكفل حرية الإبداع الفني والأدبي، فلا يجوز رفع أو تحريك الدعوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية بالادعاء المباشر، إلا عن طريق النيابة العامة.

* هل يستطيع القانون الجديد أن يعالج منظومة "المحضرين" ويقضي على المشكلات التي تنجم بسببهم مثل تكدس القضايا وبطء التقاضي؟
أطالب بإلغاء نظام المحضرين على أن تتولى شركة متخصصة مسألة إعلام الخصوم، وهو ما يعرف بنظام "خصخصة نظام المحضرين"، وهذا الاقتراح اقترحته في دولة الإمارات وتم تنفيذه وكان ناجحا، فضلا عن أهمية إنشاء كود قضائي مرتبط بالرقم القومي لكل مواطن، مما يسهل مسألة إعلان الخصوم ويزيل الالتباس حال الاشتباه في شخص أو القبض عليه بالخطأ، كما أطالب بحذف ما ورد بالتعديلات الجديدة بالقانون بشأن "ورقة تكليف الخصوم" والذي يتضمن أن يذكر بورقة تكليف الخصوم بالحضور أمام المحكمة بيانات المتهم ورقمه القومي والتهمة ومواد القانون التي تنص على العقوبة، وهذا أمر صعب تحقيقه، لصعوبة الحصول على الرقم القومي للخصم، لتتضمنه ورقة التكليف، فضلا عن أنه يتعارض مع سرية البيانات القومية للشخص، وهي جزئية جوهرية تبطل ورقة التكليف وتعطل إجراءات الدعوى.

* للمرة الأولى أيضا.. نص مشروع القانون على التعويض عن الحبس الاحتياطي، فهل ستتمكن الدولة من تعويض كل من حبس احتياطيا ثم صدر حكم ببراءته ماديا وأدبيا؟
منح مشروع القانون الجديد الحق لكل من حبس احتياطيا ثم صدر حكم ببراءته مما نسب إليه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به جراء حبسه، والدولة هنا مسئولة عن الأعمال الخطأ من قبل السلطة القضائية، وليست مسئولية القاضي، فبعد حبس المتهم، ثم الإفراج عنه بعد سنة أو 6 شهور، أو الحكم عليه في أول درجة، وظل محبوسا 3 سنوات، حتى تم نقض الحكم أو ألغى فلابد من تعويضه عن الوقت الذي قضاه في السجن، وقد تنبه المشرع الدستوري لهذا الأمر، في المادة 54 والتي نصت على "ينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذ بموجبه" وجاءت المادة 562 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد تنفيذا لما ورد بنص الدستور بتعويض المتهم تعويضا ماديا وأدبيا.

* ألا ترى أن هذا النص سيرهق ميزانية الدولة؟
جميع دول العالم تطبق هذا النظام، ونحن تمسكنا بهذا النص في القانون خلال ورش العمل، لأنه يتفق مع حقوق الإنسان، والدولة سوف تتحمل هذا التعويض وليس القاضي، فالقاضي يجتهد ولن يدفع ثمن اجتهاده، حتى لاتصبح يده مرتعشة في صدور الأحكام، وهذا يسمى "مسئولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية".

* رغم مطالبات القضاة وفقهاء القانون بضرورة حماية الشهود، إلا أنه بعد النص عليه بالقانون الجديد انتقده البعض واعتبروه يخل بمبدأ المواجهة أمام المحكمة، فهل ترى أنها عقبة أمام تطبيق النص وذريعة لإلغائه في مناقشات "النواب"؟
استحدث قانون الإجراءات الجنائية فصلا جديدا يتعلق بحماية الشهود والمبلغين والمجني عليهم والتي تجيز لأول مرة سماع أقوال الشهود بإخفاء بياناتهم من خلال وسيلة فنية تسمح للسماع إلى أقواله عن بعد بما لايكشف عن شخصيته، فأحيانا ما يحدث انتقام من شهود الإثبات خاصة في جرائم الإرهاب، وتهديد له ولعائلته والنيل منهم، وبالتالي أجاز القانون الجديد إخفاء وجه الشاهد أو تغيير صوته لحمايتهم، وفي الحالة الثانية وهي سماع شهادة الأطفال وخوفا على نفسية الأطفال يتم اللجوء إلى هذا الأمر لحمايتهم، والاستجواب عن بعد لا يخالف مبدأ المواجهة، فالمهم ما يقوله الشاهد من أقوال ولا تعنيني تعبيرات وجهه، بل هناك القضاء البديل والتحكيم في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية، تتم الجلسات فيها بإيداع أوراق القضية ومستنداتها دون وجود طرفي النزاع، وتطبيق مبدأ حماية الشهود سوف يجنب المحكمة تأجيل القضايا، لأنه أحيانا يشعر الشاهد بالخوف من الإدلاء بشهادة ويمتنع عن الحضور.

* ألا ترى أن وزارة العدل تأخرت في تطبيق نظام المحاكمات عن بعد عن طريق "الفيديو كونفرانس"؟
أصبحت الحاجة ملحة لتبني نظام الفيديو كونفرانس في المحاكمات الخاصة بجرائم الإرهاب، لتعذر نقل المتهمين من محبسهم إلى مقر المحكمة لأسباب أمنية تؤدي إلى تأجيل القضايا وتأخر الفصل فيها، وهذا يتطلب تجهيز مكان داخل السجن بوسائل فنية تمكن القاضي من الاستماع إليهم، بما لا يؤدي إلى تعطيل الدعوى أو الجلسة، تحقيقا للعدالة الناجزة، وهذا النظام مطبق في العديد من الدول العربية وخاصة السعودية، والجزائر والإمارات بالإضافة إلى دول في أوروبا، ويمكن تطبيق نظام المحاكمات عن بعد بشكل تدريجي في البداية، لتبدأ بالجرائم الإرهابية أولا، ثم جرائم القتل، وبعدها الجرائم الأخرى في مراحل متتالية، مع مراعاة الوقت الزمني الملائم لتجهيز السجن وقاعات المحاكم بالوسائل التكنولوجية الحديثة.

* هل يشترط مدة زمنية معينة قبل التفكير في تعديل الدستور؟
بعض الدساتير تسمح بذلك، فالدستور المصري الصادر 1930 قد أقر عدم جواز تعديل الدستور قبل مضي 10 سنوات من إقراره، أما الدستور الحالي فلم يضع هذا النص، ولا يوجد ما يمنع تعديله في أي وقت، خاصة أن الدستور يتضمن بعض المواد "الحالمة"، فضلا عن وجود مواد متناقضة، وكذلك مواد بها إفراط شديد في الإجراءات.

* وما المواد التي ترى أنها حالمة ولايمكن تطبيقها على أرض الواقع؟
فيما يتعلق بتخصيص 10% من إجمالى الناتج القومى للإنفاق على التعليم والتعليم العالى والصحة والبحث العلمى. وهو أمر يصل إلى حد الاستحالة، فإذا قامت الدولة بتطبيق ذلك، ماذا سيتبقى لخدمة الدين والدعم ورفع معاناة المواطن البسيط، وماذا سيتبقى لميزانية تحتاج لتطوير أداء عملها.


* البعض يرى أن قرار مجلس الوزراء الخاص بتعديل قانون الجنسية، والسماح للدولة بسحب الجنسية عن الإرهابيين غير دستورى.. كيف ترى ذلك؟
مجلس الوزراء لم يقرر شيئا جديدا، فسحب الجنسية المصرية منصوص عليه بالقانون رقم 26 لسنة 1975 في المادة رقم 15 منه، والتعديل الجديد أضاف حالة جديدة على الحالات الواردة بالقانون لسحب الجنسية المصرية وهي، صدور حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، أيًا كانت طبيعتها أو شكلها القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة، وتعديلات مجلس الوزراء لم تجعل سحب الجنسية المصرية مطلقة بل مسببة بحكم قضائي، وجوازي، فضلا عن أن الجهة الوحيدة التي تحدد إذا كان القانون غير دستوري من عدمه هي المحكمة الدستورية العليا، ومن يتشكك في دستوريته فعليه أن يقول إن هناك شبهة دستورية ويحدد المواد التي استند إليها في تلك الشبهة.

* هل سحب الجنسية عن الشخص الصادر ضده حكم قضائي بأنه إرهابي يترتب عليه سحب الجنسية من أبنائه؟
إسقاط الجنسية لا يترتب عليه إسقاطها عن ذويهم، ويترتب عليها زوالها عن صاحبها وحده، على أنه يجوز أن يتضمن قرار السحب سحبها كذلك عمن يكون قد اكتسبها معه بطريق التبعية كلهم أو بعضهم، مع العلم أن سحب الجنسية بالنسبة للشخص الذي اكتسب الجنسية المصرية، أما إسقاط الجنسية فتنطبق على المصري الأصيل والمكتسب معا.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية