الإرهاب.. وأصل الحكاية!
حكاية الإرهاب داخل مجتمعاتنا قديمة، لكنني لا أرغب في التوغل في تاريخ المسلمين منذ الخلافة الراشدة، حيث قتل ثلاثة من الأربعة خلفاء الراشدين، وهم على قمة السلطة، ثم استمر مسلسل القتل مع دولة الخلافة في ما يمكن أن نلخصه بكلمة واحدة وهى الصراع على السلطة، حتى انتهت دولة الخلافة في مطلع القرن العشرين في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا هي القوى الاستعمارية الأكبر في العالم، وتسيطر وتهيمن على منطقتنا، فقامت بدراسة تاريخنا بعمق ودقة، وتوصلت إلى أنه لابد من خلق تنظيم وزراعته داخل جسد الأمة، يرفع شعار الوصاية على الإسلام، ويمكن استخدامه لاحقا في الصراع على السلطة وممارسة العنف والإرهاب.
وبالفعل تمكنت المخابرات البريطانية من تجنيد الفتى حسن البنا مدرس اللغة العربية للمرحلة الابتدائية في إحدى مدارس مدينة الإسماعيلية، وساعدته في بناء أول مسجد للجماعة بالمدينة عبر خمسمائة جنيه، قُدمت له كتبرع من مدير شركة قناة السويس، وانطلقت دعوته تحت سمع وبصر ودعم الإدارة البريطانية الحاكمة لمصر في نهاية العشرينيات من القرن العشرين، وبالفعل نجحت بريطانيا فيما هدفت إليه، حيث نمت الجماعة بشكل كبير واكتسبت أرضية حقيقية على كامل الجغرافيا المصرية، حيث كانت البيئة الحاضنة جاهزة فقر وجهل ومرض، وتدين شعبي فطرى، وهو ما جعل التنظيم ينجح في جذب أعضائه ومؤيديه عبر خطابه الدينى المدغدغ للمشاعر من ناحية والخدمات التي يقدمها للفقراء والكادحين من ناحية أخرى.
وعندما جاءت اللحظة المناسبة، وكانت الحركة الوطنية في الأربعينيات، تطالب بجلاء المحتل البريطانى كانت الجماعة قد بدأت في لعب الدور السياسي والصراع على السلطة، وكانت في ذات الوقت قد تمكنت من تكوين ميلشيا مسلحة من بين أعضائها لاستخدامها في العنف والإرهاب والتصفيات الجسدية لخصومها السياسيين، وكان من أبرز ضحايا الجماعة محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر، وهو ما جعل الملك فاروق يرد بقوة ويقوم بقتل حسن البنا نفسه، ثم جاءت ثورة 23 يوليو 1952 وحاولت الجماعة أن تتصدر المشهد السياسي وتسرق السلطة من الثوار، لكنها فشلت فقامت بمحاولة اغتيال قائد الثورة جمال عبد الناصر، وكان رد الفعل الطبيعى هو حملة واسعة من الاعتقالات لقيادات الجماعة، وفى نفس الوقت مشروع تنموى حقيقي للقضاء على الفقر والجهل والمرض، وبذلك تمكن من محاصرة مشروع الجماعة وخنقها، بجعل البيئة الحاضنة مؤيدة للثورة ورافضة لكل من يحاول المساس بها.
وانقضت هذه المرحلة سريعا وجاء الرئيس السادات وكانت أول قراراته هو المصالحة مع هذا التنظيم الإرهابى في نفس الوقت الذي تخلى فيه عن المشروع التنموى الذي قضى على كثير من معالم البيئة الحاضنة المليئة بالفقر والجهل والمرض، فعادت البيئة الحاضنة أكثر من ذى قبل، وأصبحت مستعدة لاستقبال الأفكار والمساعدات التي تقدمها لها الجماعة، وكانت الجماعة خلال مرحلة المحاصرة قد هاجر عدد كبير من أعضائها إلى دول البترودولار وكونوا ثروات كبيرة أحضروها لاستثمارها في بيئة الانفتاح الجديدة، وخلال سنوات السبعينيات فرضت الجماعة هيمنتها على كامل الجغرافيا المصرية وفرخت العديد من الجماعات الفرعية التي مارست العنف والإرهاب داخل المجتمع وكانت أبرز أعمالها هي قتل الرئيس السادات ذاته.
وجاء الرئيس مبارك وصار على نفس نهج السادات مع تعديل بسيط في التكنيكات، فاستمرت الصفقات السياسية بينه وبين الجماعة، وفى تلك الأثناء تمكنت الجماعة من فرض نفوذها داخل المجتمع المصرى وكسب المزيد من المؤيدين والمتعاطفين عبر الخدمات التي تقدمها الجماعة للفقراء والكادحين، في الوقت الذي تخلت فيه دولة مبارك عن مسئوليتها تجاه مواطنيها، وعندما انطلقت شرارة الثورة في 25 يناير 2011 كانت البيئة الحاضنة جاهزة لصعود الجماعة لأول مرة إلى سدة الحكم، واكتشفنا في لحظة واحدة كيف تمكن هؤلاء الإرهابيين من التغلغل وبناء النفوذ داخل بنية المجتمع المصرى، ثم كانت المواجهة الحاسمة بواسطة الشعب والجيش للإطاحة بالجماعة من سدة الحكم في 30 يونيو 2013.
ومنذ تلك اللحظة قررت الجماعة الإرهابية العودة لممارسة العنف والإرهاب ضد الجيش والشعب، فكانت الأحداث المتتالية وأخرها حادث الوحات ثم حادث مسجد الروضة بشمال سيناء، والذي يعد تطورا نوعيا من قبل الجماعات الإرهابية التي وصلت إلى حالة من اليأس، بفعل تطويق الجيش لها وضرباته الموجعة، لكن لابد من التأكيد أن المواجهة مع الإرهاب لابد وأن تكون شاملة أولا بالمواجهة الأمنية الصارمة، ثم بمشروع تنموى حقيقي للنهوض بأوضاع البشر في البيئة الحاضنة التي تعج بالفقر والجهل والمرض، ثم مواجهة فكرية شاملة عبر خطاب دينى واعى يفرض نفسه على كامل الجغرافيا المصرية، فالوعى الشعبي هو الفيصل في هذه المعركة خاصة وأن المشروع الإرهابي الطامع في السلطة يلتقى في مصالحه مع المشروع الاستعماري الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الصهيونية لتقسيم وتفتيت مجتمعاتنا العربية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.