زعيم تنظيم إرهابي ليوم واحد
ماذا لو أتيحت لي الفرصة لأن أكون زعيم تنظيم إرهابي لمدة يوم واحد؟! شردت مخيلتي بعيدا وأنا أقرأ كتاب زعيم عصابة ليوم واحد الذي كتبه "سودهير فيكاتش"، أستاذ علم الاجتماع بجامعة كولومبيا، الذي خاض تجربة الانضمام لتنظيم عصابي في كولومبيا ليشرح تجربته وسط المجرمين ولينقل صورة أخرى عن المشاعر والعلاقات الإنسانية بل الدوافع والأفكار والعقائد التي كانت على النقيض مما يراه المجتمع.. استقر الكاتب على أن المجرم هو إنسان انحرف عن الطريق السوي ولكنه لا يختلف كثيرًا عن بشر نقابلهم في حياتنا اليومية قد يكونوا أيضًا بلا ضمير أو أخلاقيات.
الاقتراب من نموذج المجرم والتفاهم معه عن قرب أعطى للكاتب وجهة نظر أعمق عن عالم الجريمة وتقاليده وروابطه الإنسانية بل إنه تعاطف مع الآخر لأنه بشر.. ومنذ أيام أثار الحوار التليفزيوني لعماد أديب مع إرهابي الواحات المجتمع المصري بين مؤيد لفكرة الحوار ومعارض، ولكن الإرهابي هو إنسان له فكر وعقيدة ولا تواجه إلا بأفكار وعقائد تدعو للسلام والتعايش.. وليس الثأر منه الهدف وإنما القضاء على فكره.. وقد أثار تصفحي للكتاب مخيلتي نحو تكون داعش في العراق كنتيجة حتمية من حل الجيش العراقي والاحتلال الأمريكي، ومن جانب آخر المد الشيعي لتظهر مجموعات متطرفة تتبنى أفكارا وعقائد دموية انضم لها ثوار وقوميون في بادئ الأمر لأغراض التحرر وإعادة بناء دولة العراق كأفكار جاذبة.. ولكن سيطر الفكر المتطرف على التنظيمات بدعم دولي ما لتتكون أول دولة منظمة على أيدي تنظيمات إرهابية بتخطيط من ضباط سابقين في الجيش والمخابرات العراقية.
ينضم للتنظيم ألوان مختلفة من البشر منهم المنطوي المتطرف ومنهم من فشل في قصة عاطفية ليبحث عن بطولة زائفة إلى جانب الأوروبي المتعلم الذي تربى في جوامع سيطر عليها الإخوان ليخلقوا جيلا متطرفا.. وهناك فضل شاكر المطرب الرومانسي الذي انخدع بالمدينة الفاضلة التي رسمها له أصدقاؤه المجاهدون.. هم بشر وقعوا في مصيدة محكمة من الأفكار والعقائد المحرّفة.. ولكن يجب ألا ننكر أنهم بشر انحرفوا عن الطريق السوي.
رغم ما يثيره الإعلام عن غوغائية التنظيم وهو ما يتفنن فيه التنظيم لإخافة أعدائه لكنه دولة منظمة لها هيكلية تحتوي على وزارات وعملات وقوانين وأعراف وبها من القضاة والتنظيميين الذين يحافظون على قوام الدولة ولعل الأكثر إثارة أن لها علاقات تجارية مع دول كبرى خاصة في تجارة البترول بثمن بخس، وبالتالي هي دولة مواردها مستنزفة اقتصاديا وتحقق مصالح دول أخرى.. إنها دولة من طراز خاص ونموذج معدل تقنيًا من تنظيمات لم ترق لأن تكون دولا رغم قوتها مثل القاعدة.
حتى فكرة سبي النساء وهتك الأعراض التي تنتهك مبادئ الإنسانية تم صياغة مبررات وعقائد دينية تحميها لتحقق الشهوة السادية في مناخ من الأمراض النفسية والجهل والتهميش وانعدام التنمية الاقتصادية.
ليس المال القطري أو التركي فقط هو المسبب لفكرة داعش وليس الفقر فقط إنما مناخ عام وتغذية ثقافة العنف وعدم قبول الآخر والتكفير مع تعليم متدنٍ مع انعدام التنمية.. هي الخطر نحو تدمير المجتمعات العربية بأيدي أبنائها كما تخطط لها القوى الإقليمية.. بالعقل والإنسانية والعلم ومن جانب آخر بالقوة والحزم ولكن ليست وحدها لنستطيع قهر الإرهاب كمجتمع يناضل نحو بقاء الدولة... ابحثوا عن هؤلاء ونقومهم أطفالا قبل أن يكبروا فيقتلوننا ويفجروننا ويهدمون وطننا... علموهم ووفروا لهم حياة وأفكارًا وعقائد إنسانية قبل أن نندم على وطن.